صناعة الدوبلاج: محدودية الأداء واستغلال المؤدي

22 أكتوبر 2017
مسلسل "حريم السلطان" التركي (فيسبوك)
+ الخط -
مع انطلاق موسم البرامج الجديد على الفضائيات العربية يبدو واضحاً أن الغلبة هذا الموسم أيضاً هي للمسلسلات المدبلجة، والتي تحضر بشكل مكثّف في مختلف دول العالم العربي من المشرق إلى المغرب والخليج.

في العقدين الأخيرين، انتشرت ظاهرة الدوبلاج في الوطن العربي على نطاق واسع، وذلك بعد أن اكتشفت الشركات المنتجة أن الجمهور العربي يميل نحو متابعة المسلسلات الأجنبية الناطقة باللغة العربية، ولا سيما المسلسلات المكسيكية والتركية، التي عجز العرب عن إنتاج أعمال تضاهيها من حيث المحتوى أو الشكل الفني. فتحولت العديد من المحطات العربية إلى منصات تستهلك الصناعة الغربية المعربة، بسبب قدرتها على تحقيق الأرباح التجارية، فتكلفة الدوبلاج منخفضة نسبياً، وبعض المحطات التلفزيونية العربية تفضل المسلسلات المدبلجة بسبب جماهيرية هذه الأعمال.

ورغم أن الدراما المدبلجة باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المحتوى الرقمي للمحطات العربية، إلا أن شريحة واسعة من المثقفين والفنانين العرب لا يزالون يتعاملون مع هذا النوع من الفن بوصفه عنصراً ليس أصيلاً ومقحماً على الفضائيات العربية، وينظرون لمهنة الدوبلاج باعتبارها حرفة لا ترتقي إلى مرتبة فن التمثيل، فأجور الممثلين العاملين في قطاع الدوبلاج متدنية جداً، إذا ما قورنت بأجور الممثلين بالدراما العربية، ولم تنشأ نقابات خاصة بحماية العاملين في هذا القطاع في معظم البلدان العربية، كما أن نقابات الممثلين لا تعترف بهم؛ وقد يعود السبب إلى أن الممثل في عملية الدوبلاج تقتصر علاقته بأدواته على الأداء الصوتي، دون الحضور الجسدي والأداء الحركي للممثل.

ودوبلاج المسلسلات الأجنبية لا يعتبر أول شكل تمثيلي يعتمد فيه الممثل بشكل كلي على التقنيات الصوتية، بل إن هناك العديد من الأشكال الفنية التي تشترك مع الدوبلاج بهذا العنصر، أقدمها مسرح الدمى، ويليها المسرح والدراما الإذاعية، وكذلك الأداء الصوتي لأفلام الكرتون؛ فما الفرق بين الأداء في الدراما الإذاعية، والدوبلاج؟

إن الأداء في الدوبلاج يعتبر نوعاً من أنواع التقليد، فالمؤدي يقوم غالباً بتقليد أداء الممثل الأجنبي، ليحاول أن يطابق بين الصوت والصورة قدر الإمكان، وينجح المؤدون في الدوبلاج كلما تمكنوا من مطابقة حالة الممثل الأصلية؛ ونتيجة هذه العملية تصل إلى المتلقي مركبة، فيقترن صوت المؤدي بصورة الممثل الأجنبي، وتشكل الانفعالات والحركة الجسدية للممثل الموجود على الشاشة العامل الأكبر في العلاقة مع المتلقي، ليبقى دور الدوبلاج والأداء الصوتي وظيفياً، لا يتعدى ببعض الأحيان إيصال ترجمة اللغة؛ وبالإضافة لذلك فإن المؤدي في الدوبلاج لا يتمتع بحرية الأداء والابتكار، فهو مقيد بـ"الليبسينغ" و"التايمينغ"، أي مطابقة زمن الجملة، ومطابقة حركة الشفاه، وذلك يؤثر بشكل كبير على الحرية بالتعبير، والتي تعتبر أحد شروط التعبير الفني.

وأما الأداء في الدراما الإذاعية، فالممثل فيه يتمتع بمطلق الحرية، للتعبير عن شخصيته دون قيود، فالمطلوب في هذا النوع من الفن، أن يقوم الممثل بخلق شخصية بكل تفاصيلها من خلال الاعتماد بشكل كلي على عنصر الصوت فقط؛ وتصل رسالة المؤدي إلى المتلقي من خلال وسيط سمعي (الراديو)، مما يجعل صوت الممثل هو العنصر الوحيد القادر على بناء علاقة مع الجمهور. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أحد أهم أسباب تراجع جودة الأداء في الدراما الإذاعية العربية في السنوات الأخيرة، هو أن أغلب المؤدين امتهنوا هذه المهنة بعد سنوات من العمل في الدوبلاج.

وقد يرى البعض أن الأداء في الدوبلاج بهذا السياق يبدو أقرب إلى مسرح الدمى أو إلى أفلام الكرتون، ولكن الفرق الكبير بين الاثنين، هو أن صوت الممثل في مسرح الدمى وأفلام الكرتون، يضفي حياة على مواد جامدة لا روح فيها، فيساهم بأنسنة الدمية أو الرسوم.
دلالات
المساهمون