صفقة ترامب اليهودية

02 فبراير 2020
+ الخط -
يضع محللون كثيرون الأسباب الانتخابية وراء إذاعة صفقة القرن الآن، ما يعني أن توقيت إعلانها قد أتى ليساعد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في حملته، ويمنحه ما ينقصه من مقاعد لينتصر على منافسه بيني غانتس، خصوصا وأن الصفقة تُسقط من حسابها الدولة الفلسطينية المستقلة، بما يرضي متطرّفي اليهود والقوميين المتشدّدين، وهم الداعمون الرئيسيون لنتنياهو. والخطة في التوقيت نفسه، تفيد ترامب الذي يتحرّك، وحواسّه معلقة بسيناتورات مجلس الشيوخ الذين يتداولون قضية عزله، فإعلان حدثٍ كهذا قد يمنحه دفعة إلى الأمام، ويجعل العيون المتربّصة به تراه من منظار آخر، أو على الأقل تُزاح قضية عزله عن بؤرة الإعلام.. من الممكن أن يكون الأمر دعاية بالطبع، خصوصا وأن الحديث عن هذه الصفقة يتردّد منذ اليوم التالي لتسلم ترامب منصبه، لكنها، أي الصفقة، أُعلنت في هذا التوقيت تحديداً.
حلمُ حل معضلة الشرق الأوسط يراود كل رئيس أميركي منذ إنشاء دولة إسرائيل، وترامب لم يشذ عن الحالة، فقبل يوم واحد من مراسم تنصيبه، وفي حفل خاص، أشار علنا إلى زوج ابنته جاريد كوشنر، وخاطبه بزهوٍ: إن لم تستطع حل مشكلة الشرق الأوسط فلن يحلّها أحد.. المؤهلات التي يمتلكها مهندس الحل المقترح لخطة سلام الشرق الأوسط أن عمره لم يكن يتعدّى في تلك الليلة 26 عاماً، وخبرته ذات طبيعة عقارية بحتة، أما صلته بعملية سلام الشرق الأوسط الوحيدة فهي انتماؤه إلى اليهود الأرثوذكس.
تعاون المهندس "الأوحد" لمشكلة فلسطين، مع كل من السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في صياغة الخطة التي أُعلِنت قبل أيام. ويمكن أن يشكل الثلاثة ناديا من المعجبين بإسرائيل، نظراً إلى خلفية كل منهم، فغرينبلات من أصل يهودي هنغاري، هاجرت أسرته في أواسط الخمسينيات، وفريدمان ابن موريس فريدمان الذي كان رئيساً لمجلس حاخامات نيويورك. والخلفيات العلمية والمهنية التي لثلاثتهم بعيدة جداً عن السياسة، ولم يتعاطَ، قبلَ هذه المهمة، أيٌّ منهم منصباً سياسياً يؤهله لصياغة حل سياسي مستعصٍ كهذا، فكوشنر رجل عقارات، ولم يعرف عملاً سياسياً قبل المشاركة في الحملة الانتخابية "لعمّه". أما السفير فريدمان فهو محام وعضو في منظمات داعمة للمستوطنات، ولكنه يؤمن بحل الدولتين لتسوية القضية الفلسطينية. وغرينبلات محامي عقارات، لعب دوراً قانونياً في مؤسسات ترامب. وبعد أن نجح ترامب في معركة الرئاسة، وزّع كوشنر أدواراً سياسية لها علاقة مباشرة بإسرائيل على المحاميَين، وجلس هو في موقع المستشار الرئاسي فوق العادة، بحكم موقعه من العائلة. يضاف إلى هؤلاء شخص رابع، يدعى آفي بيركوفيتش، وهو المستشار أو المساعد الخاص لكوشنر، وهو ينتمي إلى الطينة نفسها التي ينتمي إليها كوشنر، لكنه أصغر سناً.
ليس بين هذه اللجنة شخص من أصل عربي ليقيم توازناً قومياً أو عرقياً يساعد في النظر إلى المشكلة من أطرافٍ متوازنة، فهذه الخطة صُممت ليتم رفضها من الجانب الفلسطيني، خصوصا وأنها سُبقت بإجراءاتٍ من مؤسسة الرئاسة الأميركية، كنقل السفارة إلى القدس، وقطع معظم المساعدات التي كانت تقدّم للفلسطينيين.
ستخوض إسرائيل، بعد فترة، إعادة انتخاباتٍ لم تفلح في إنتاج حكومة. وقد سبقت الإعلانَ عن الصفقة اجتماعاتٌ بين ترامب ونتنياهو، وترامب وغانتس، كل على حدة، من دون أن يجتمع ترامب مع أي طرف فلسطيني، وهو جانب أساسي في القضية. لذلك لا بد أن المحللين على حق في القول إن الانتخابات هي الهدف الحقيقي وراء هذا الإعلان. ومن الناحية العملية، تمرّ القضية الفلسطينية بالفعل في أزمةٍ، مردّها يتجاوز قرارات ترامب وصفقاته. وسواء أذيعت هذه الصفقة أم لم تذع، فالوضع منذ عقود لا يتحرّك لصالح الفلسطينيين. أما الصفقة ذاتها فللاستهلاك في صناديق الانتخابات.