وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنه بناء على مشورة بعض السياسيين في أحزاب ودوائر يمينية، قريبة الصلة بالنظام المصري، وعلى تواصل مستمر مع السفارة المصرية في روما وكذلك مع عدد من رؤساء شركات التسليح التي ستستفيد من الصفقة، فإن القاهرة عرضت إمكانية تقسيم الصفقة لعدة صفقات صغيرة، على أن تكون الأولوية للحصول على فرقاطتين من نوع "فريم" متعددتي المهام بقيمة 1.5 مليار يورو، لتنضما إلى مثيلتهما التي سبق أن اشترتها مصر من فرنسا، واحتمالية تأجيل الحصول على طوافات ومقاتلات من طراز "يوروفايتر تايفون".
وذكرت المصادر أن وزير الخارجية لويجي دي مايو لم يحسم حتى الآن قرار اعتماد البيع، الذي كان من المنتظر توقيعه في ربيع العام الحالي، وذلك نظراً لتعرضه لضغوط كبيرة من قيادات حزبه "حركة الخمسة نجوم"، والتي كانت تتزعم جهود تعطيل المحادثات الأمنية والعسكرية مع مصر خلال السنوات الثلاث الماضية كعقاب لها على عدم التعاون في قضية ريجيني. وأوضحت المصادر أن مصر استطاعت، خلال الشهر الماضي، تأمين نسبة إضافية من قيمة الصفقة، بواسطة قروض جديدة من بنوك وبيوت استثمار أوروبية، لكنها لم تكمل حتى الآن نصف ثمن الصفقة القياسية، علماً بأن مصر ستتحمل بشكل مباشر 500 مليون يورو تقريباً من شراء الفرقاطتين، اللتين تبدوان أقرب للوصول من باقي مفردات الصفقة. وبحسب أسعار السوق هذا العام، فإن سعر الفرقاطة "فريم"، التي يتم إنتاجها في فرنسا وإيطاليا، يناهز حالياً 700 مليون يورو. وستحصل مصر، بالإضافة للفرقاطتين في الصفقة نفسها، على عدد من الأسلحة البحرية وتكنولوجيا المراقبة والتسيير عن بعد.
وبحسب المصادر فإن هناك بعض الخلافات حول محتويات باقي الصفقة، لكنها ستشمل بالتأكيد طائرات مقاتلة، وطوافات من طراز "أغستا-ويستلاند 149"، لم تحصل عليها مصر حتى الآن، على الرغم من طلبها في إبريل/نيسان الماضي من شركة "ليوناردو" في روما، بالإضافة إلى أنظمة رادارية وأمنية حديثة، معدة للتركيب على السفن والطائرات المقاتلة، وهو مجال تحقق فيه الشركات الإيطالية تقدماً كبيراً.
وسبق أن كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية ومصرية بالقاهرة، لـ"العربي الجديد"، في 10 و19 فبراير/شباط الماضي أن مصر أبلغت في الخريف الماضي كلا من روما وباريس رغبتها في "رفع كفاءة قواتها البحرية، وتوسيع الأسطول الخاص بالفرقاطات متعددة المهام، وأن فرنسا أبلغت مصر في حينه بأنها لن تستطيع الوفاء بالطلبات الخاصة بها على نحو سريع، وأن إيطاليا لديها قطع جاهزة من الفرقاطات فريم، يمكنها إمداد مصر بها في ربيع 2020 بحد أقصى". وأضافت أن الفرنسيين لم يكونوا صادقين في ادعائهم بأن سبباً فنياً وراء صعوبة إمداد مصر بالأسلحة والمعدات المطلوبة، بل إن السبب هو "توتر دبلوماسي مكتوم بين البلدين على خلفية عدة ملفات، أبرزها أوضاع حقوق الإنسان، وعدم استجابة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحديث الذي أدلى به نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته القاهرة في يناير/كانون الثاني 2019"، وذلك عندما دخل الاثنان، خلال مؤتمر صحافي مشترك، في مساجلة علنية حول أولوية حقوق الإنسان من وجهتها السياسية في السياق المصري. وعندها كرر السيسي تمسكه بأن حقوق الإنسان في مصر تختلف عنها في أوروبا، وأن الاهتمام يجب أن يقتصر على ما يسميه السيسي "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، قاصداً بذلك الأجور والمعاشات والضمان الاجتماعي والتشغيل والإسكان.
وشهدت الشهور الأربعة الماضية هجوماً من بعض نواب "حركة الخمسة نجوم"، على رأسهم فابيو ماسيمو كاستالدو، نائب رئيس البرلمان الأوروبي والمحامي المعروف بتبنيه لقضايا حقوقية عديدة، والذي طالب بوقف تصدير الأسلحة لمصر في ظل سوء أوضاعها الحقوقية من جهة واستمرار التعتيم على حقيقة ما حدث لريجيني من ناحية أخرى. وبدأت إيطاليا في تصعيد الضغط مرة أخرى على مصر منذ سبتمبر/أيلول الماضي، مع خروج الحليف الأبرز للسيسي في روما، زعيم حزب "رابطة الشمال" ماتيو سالفيني، من التحالف الحكومي، وزيادة عدد المقاعد الوزارية الخاصة بـ"حركة الخمسة نجوم"، وتولي زعيمها دي مايو وزارة الخارجية، خلفاً للوزير المستقل القريب من سالفيني، إنزو ميلانيزي.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي صعّد رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو، وعدد من نواب "الخمسة نجوم" ضغطهم على حكومة كونتي، لممارسة مزيد من الضغوط "الواقعية" على مصر لكشف الحقيقة. وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن السفارة المصرية في روما رصدت محاولة ممنهجة من نواب ووسائل إعلام وبعض النشطاء اليساريين لنشر دعوات لمقاطعة القاهرة سياحياً، إلى حين الإفصاح عن الحقيقة، أو على الأقل تعاطيها بشكل إيجابي مع الأسئلة الإيطالية الرئيسية في تحقيقات ريجيني، التي قدمها ادعاء روما للنيابة المصرية خلال اجتماع استئناف التعاون القضائي بين البلدين، الذي عقد في القاهرة منتصف الشهر الماضي. وسبق أن طالبت مجموعة من النواب المنتمين لليسار و"حركة الخمسة نجوم" وغيرها من الأحزاب، بتخفيض المبيعات العسكرية وصادرات الأسلحة لمصر، عند اتخاذ البرلمان الإيطالي قراراً بتجميد العلاقات مع نظيره المصري في خريف 2018، وهو المشروع الذي لوحت به حكومة كونتي مراراً، لكن لم يدخل أبداً حيز التنفيذ.
وفي إبريل/نيسان الماضي، وبينما كانت المستشفيات المصرية، سواء التابعة لوزارة الصحة أو للجامعات، تعاني من نقص واضح في المستلزمات الطبية والواقيات وأدوات الحماية ضد جائحة كورونا، أرسل السيسي شحنتين من المساعدات الطبية لإيطاليا، تحتوي على ما لا يقل عن مليون و250 ألف كمامة. وبحسب مصادر مصرية، فإن المساعدات كانت تهدف إلى أمرين رئيسيين: الأول هو وقف الضغوط في قضية ريجيني، والثاني هو التغلب على الاعتراضات التي ما زالت تعطل بعض التفاصيل في صفقات التسليح.