يتجه الصراع السوري إلى تحوّل قد يرسم مشهداً مختلفاً على الأرض، من خلال دور جديد تسعى الولايات المتحدة للقيام به عبر التحالف الدولي بتشكيل قوة حدودية من 30 ألف عنصر تحت قيادة "قوات سورية الديمقراطية"، تنتشر على الحدود مع تركيا والعراق وعلى طول نهر الفرات. إنشاء القوة يفتح مجال الصدام بين أميركا وتركيا، إذ تتمسك الأخيرة بـ"تطهير" المناطق السورية المحاذية لها من القوات الكردية، وهدفها الحالي يتمثّل بمدينة عفرين. وبرزت بوادر هذا الصدام بالمعلومات التي تسرّبت عن أن أنقرة استدعت القائم بالأعمال الأميركي لديها قبل أيام لهذا السبب.
في موازاة ذلك، تتواصل معارك الكر والفر في أرياف حماة وإدلب وحلب، بين قوات النظام السوري التي تحاول الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري شرقي إدلب، وفصائل المعارضة التي استطاعت انتزاع قرى جديدة تقدّمت إليها قوات النظام أخيراً جنوب أبو الظهور، في حين حققت قوات النظام تقدّماً في ريف حلب الجنوبي، وسط اتهامات لـ"هيئة تحرير الشام" المسيطرة هناك بتسليم المناطق للنظام. كذلك تواصلت المعارك وعمليات القصف المكثف التي يقوم بها النظام على مدن وبلدات الغوطة الشرقية في محيط دمشق، فيما استطاعت فصائل المعارضة إغلاق الثغرة التي فتحتها قوات النظام لإمداد عناصرها المحاصرين في إدارة المركبات بمدينة حرستا.
وردت أنقرة سريعاً بشجب جهود التحالف لتشكيل هذه القوة. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين، إن "الولايات المتحدة تتخذ خطوات مثيرة للقلق لإضفاء الشرعية على هذا التنظيم ليبقى دائماً في المنطقة" بدلاً من أن توقف دعمها لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية نزولاً على طلب أنقرة، مضيفاً أن "هذا أمر لا يمكن القبول به". وأعلن أن تركيا "ستواصل قتالها لأي تنظيم إرهابي بغض النظر عن اسمه وشكله داخل وخارج حدودها".
جاء ذلك بعدما كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد قال صباح أمس الأحد، إنّ بلاده تأمل من القوات التابعة لبلدان صديقة لتركيا، "تجنّب الوقوع في خطأ الظهور إلى جانب التنظيمات الإرهابية خلال العملية المرتقبة على مدينة عفرين في ريف حلب ". وأعلن أردوغان في كلمة له أنه "في الأيام المقبلة، نواصل في عفرين عملية تطهير الحدود الجنوبية لبلادنا من الإرهاب والتي بدأناها مع انطلاق عملية درع الفرات"، مضيفاً: "على الرغم من كل شيء، نعتقد بوجود مصالح مشتركة لنا مع الولايات المتحدة، ونأمل بأن نتحرك معاً، وهذا وقت تقديم الدعم لتركيا والوفاء للشراكة الاستراتيجية، وننتظر منهم تقديم الدعم للمساعي المشروعة التي تبذلها تركيا".
في السياق نفسه، ذكرت وكالة "الأناضول" التركية أن مركبات عسكرية تركية تحمّل معدات عسكرية وناقلات جند وصلت إلى ولاية هاتاي جنوبي تركيا أمس، لدعم القوات التركية المتمركزة على الحدود مع سورية. ومن جانب آخر، لوحظ تحول وجهة المدافع المتمركزة على الحدود السورية باتجاه مدينة عفرين، وفق الوكالة.
يتزامن ذلك مع تواصل المعارك في الشمال السوري. وفي هذا السياق، قالت مصادر متطابقة من فصائل المعارضة، إن هذه الفصائل المنضوية في غرفتي عمليات "رد الطغيان" و"إن الله على نصرهم لقدير"، تمكنت من استعادة مناطق جديدة في ريفي حماة وإدلب، بما فيها بلدة عطشان الاستراتيجية. كما تقدّمت الفصائل إلى قرى الزفر كبير، الزفر صغير، السلومية، الحصية، مزارع الهليل، وذلك عقب معارك قوية مع قوات النظام، استحوذت خلالها الفصائل على أسلحة وذخائر من قوات النظام.
وكانت تلك الفصائل قد سيطرت على قرى أم الخلاخيل، الجدعانية، الويبدة، الخوين، تل مرق، المشيرفة الشمالية، تل خزنة، في ريف إدلب الجنوبي، وذلك بعد معارك عنيفة مع قوات النظام المدعومة بمليشيات أجنبية، أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الأخيرة. وسبق ذلك دخول عناصر "أحرار الشام" إلى مزارع الحسيان قرب قرية عطشان عقب معارك مع قوات النظام والتي استقدمت مليشيات أجنبية كانت منتشرة في ريف حمص الشرقي والبادية السورية، بغية تعزيز نقاطها. كما ذكرت وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" أن الأخيرة سيطرت أمس الأحد على أربع قرى في الجهة الجنوبية لمطار أبو الظهور، وهي رسم العبد، رسم الورد، اسطبلات، وسروج. من جهته، قال الإعلام المركزي التابع للنظام إن "الجيش وحلفاءه صدوا هجوماً عنيفاً لجبهة النصرة والحزب التركستاني والفصائل المتحالفة معهما على نقاطهم في محوري المشيرفة-عطشان واسطبلات-ربيعة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي".
وتسعى الفصائل في المرحلة الثانية من عملياتها العسكرية إلى إغلاق الجيب الذي تقدّمت خلاله قوات النظام إلى مشارف مطار أبو الظهور. غير أن قوات النظام عمدت إلى فتح محاور جديدة للقتال في ريف حلب الجنوبي حيث أحرزت تقدماً كبيراً خلال الساعات الماضية، لتقترب أكثر من مطار أبو الظهور وفق مصادر النظام. وقالت تلك المصادر إن قوات النظام والمليشيات المساندة لها سيطرت على بلدة تل الضمان في ريف حلب الجنوبي إضافة لنحو عشرين قرية أخرى خلال المعارك مع "هيئة تحرير الشام". وأوضحت أن قوات النظام سيطرت حتى الآن على 39 قرية وبلدة في منطقة جبل الحص جنوب حلب، خلال الأيام الماضية.
في المقابل، أصدر ناشطون من ريف حلب الجنوبي، بياناً اتهموا فيه "تحرير الشام" بالانسحاب من قرى وبلدات جبل الحص، وتفريغ نقاط المواجهات من المقاتلين والأسلحة الثقيلة، إضافة لعدم تقديم المؤازرة للعناصر الموجودين في المنطقة من أبناء هذه القرى، والمنتمين أيضاً لـ"تحرير الشام". أما مصادر الهيئة فقالت إن انسحابها من قرى منطقة جبل الحص جاء خشية تعرض عناصرها للحصار من قوات النظام.
من جهته، قال عضو وفد المعارضة العسكري إلى مفاوضات أستانة، العقيد فاتح حسون، إن الاستراتيجية التي تتّبعها الفصائل في المنطقة تستهدف "صد العدوان الذي يقوم به الثلاثي (النظام وإيران وروسيا) وبمؤازرة المليشيات التابعة لهم، وذلك بهدف امتصاص الصدمة وتهيئة الظروف المناسبة للهجوم المعاكس". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن الهجوم المعاكس قد يكون على مراحل وليس بشكل متواصل، مضيفاً: "المعارك ما زالت معارك كر وفر، يتم التقدم في مناطق، والتراجع الآني في مناطق أخرى لحين خلق الظروف المناسبة لاستعادتها"، مشيراً إلى أن الفصائل العاملة في هذه المناطق ليست كلها ضمن غرفة عمليات واحدة، وبالتالي لكل غرفة تكتيك تعمل عليه.
وحول ما إذا كانت هناك مشكلة في تنسيق العمليات بين الفصائل مع تعذر تشكيل غرفة واحدة، رأى حسون أن "تعدد المحاور يفترض وجود غرف عمليات متعددة، فلكل منطقة ظروف مختلفة عن الأخرى، خصوصاً أن الوضع العام بين الفصائل لا يساعد على تشكيل غرفة عمليات موحدة، لكن هناك تنسيقاً بين هذه الغرف". وعن تأثير هذه التطورات على مسارات التفاوض في أستانة وجنيف وسوتشي، قال إنه في حال "لم تتوقف حملة النظام ومن خلفه روسيا، فمن المؤكد أن هذا سيؤثر سلباً على كل المؤتمرات والتفاهمات، وسيمنع انعقاد بعضها".
ويخشى ناشطون من أن تتمكن قوات النظام مع هذا التقدّم من إطباق الحصار على أكثر من 35 قرية وبلدة في أرياف حماة وحلب وإدلب، ومحاصرة فصائل المعارضة في جيب مساحته 1200 كيلومتر مربع شرقي سكة الحديد في ريف إدلب الشرقي. ونزح نحو 150 ألف شخص من قرى ريف حلب الجنوبي خلال الشهرين الماضيين بسبب الحملة العسكرية التي تشنّها قوات النظام.
وفي محيط دمشق، كثّف النظام السوري من عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي لبلدات الغوطة الشرقية، إذ استُهدفت مدينة حرستا بغارات جوية عدة، بينما سقطت ثلاثة صواريخ من طراز "فيل" على بلدة حزرما في غوطة دمشق الشرقية، ومثلها أيضاً في محيط مدينة دوما. كما استهدفت مدفعية النظام بلدة حمورية في القطاع الأوسط.