صباح

26 نوفمبر 2014
+ الخط -
طوت جانيت فغالي، أو "صباح"، بوفاتها، صفحة من كتاب شخصيات تتجاوز بحياتها الطويلة، التي قاربت العقود التسعة، صفتها الأصلية، كفنانة استعراضية و/أو مغنية و/أو ممثلة.

أحبّ الناس صوتها أو كرهوه، أُعجبوا بمنتوجها الفني أو بغضوه، فُتنوا بإصرارها على إخفاء سنّها أو حسدوها غيرةً، لم يعد ذلك هو السؤال الأهم، فـ "صباح"، كتوصيف موضوعي لا قيَمي، ظاهرة تاريخية، لا مجرد فنانة كانت رائدة في الانفتاح على الفضاء العربي، المصري ــ السوري خصوصاً، والخروج من العزلة اللبنانية في جبلها الماروني الصافي مذهبياً نحو العالم الأرحب.

يمكن قول الكثير عن المرأة التي انتهى بها الأمر في سنواتها الأخيرة في أحد فنادق شرق بيروت مع مسؤول الماكياج الخاص بها، هاجرةً منازل كثيرة كانت تملكها في أيام عزّها، ووزّعت عدداً منها، ولم تغب عن الشاشات والمسارح إلا حين صار الطب التجميلي عاجزاً عن إظهارها بهيئة تُرضيها.

صباح التي تكاد تكون شهرتها خارج لبنان تساوي ما تملكه من رصيد شعبي في بلدها الصغير، كما قريتها الصغيرة بدادون (حوالي 20 كيلومتراً شرق بيروت)، تنبع تاريخيتها كظاهرة اجتماعية، من جرأتها على سلوك حياة مليئة بالمحرّمات في زمنها، كسرتها جميعها. تخيّلوا شابة شقراء جميلة تتمرّد على مجتمعها الزراعي المحافِظ في أربعينيات القرن الماضي، لـ "تنزل" إلى بيروت التي لم تُشبع حبها للحياة، فخرجت وحدها إلى دمشق وإلى القاهرة أيام كانت عاصمة "المحروسة" مقصد العالم والسينما والفنون.

عاشت المرأة وماتت مثلما تريد حرفياً: تزوّجت سبعة رجال وطلّقتهم جميعهم. عاشت متحرّرة في جسدها وملبسها وطريقة كلامها من دون أن تغلّف سلوكها بشعارات رنّانة و"قضايا كبرى". أرادت أن تكون هكذا، عفوية وحرّة في كل شيء، وإن تطلّب منها ذلك تنازلات صغرى لتكسب حريتها الكبرى. دائماً هناك مرة أولى في كل شيء، وصباح كانت "مرّة أولى" في كسر أنماط اجتماعية ــ دينية ــ ذكورية من دون كلفة ولا ادّعاء ولا صراخ.
ظلّت المرأة تظهر حتى قبل أشهر على شاشات أردات تكريمها والتلصص على جزء من ذاكرتها المديدة، وهي ظلّت مصرّة حتى الرمق الأخير، على أنها تريد أن تموت في فندق مليء بالناس، كي لا تغادر وحدها في قصر فاخر لكن فارغ.
دلالات