صانع قوارب غزّة ينهي عمله الأخير

13 يونيو 2014
يصنع القارب الأخير.. ليبحر في مهنة جديدة (العربي الجديد)
+ الخط -
يقاوم الكهل الفلسطيني عبد الله النجار أشعة الشمس الحارقة، بينما يثبّت بالمسامير ألواح الخشب الأبيض على سطح قاربه. ويصدر تعليماته إلى أحد العمال الذين يساعدونه في إحضار المزيد من الخشب. فيبدو أنّ اليوم سيشهد نهاية صناعة هيكل ذلك القارب قبل أن ينتقل إلى مرحلة "التشطيب" و"الدهان" وتركيب معدات الصيد لاحقاً.

لا يبدو القارب مصنوعاً بأيد محلية. فهيكله المتناسق بطول 18 متراً وتفاصيله الهندسية الدقيقة ومعالمه الجمالية توحي بأنّه مصنوع في أحد أضخم مصانع السفن العالمية.

يمضي "آخر صانعي القوارب" في قطاع غزّة أكثر من سبع ساعات يومياً في صناعة قاربه بأدوات نجارة بسيطة لا تساعده على إنجاز عمله على وجه السرعة. وهو ما أجبره على العمل عاماً كاملاً في بناء ذلك القارب.

يصرّ النجّار على مواصلة عمله في صناعة قوارب الصيد رغم ندرة المواد والأدوات والعائد المادي الزهيد. فهو يحتاج إلى أدوات نجارة حديثة، وأنواع معيّنة من الأخشاب، ومعدّات صيد لا تتوفر في قطاع غزّة.

ويقول النجار لـ "العربي الجديد"، بينما يثبّت لوحاً من الخشب الأبيض على جانب قاربه، "هذه المهنة قاسية، لكنّني أحبّها وأشعر بالراحة أثناء ممارستها. طيلة 40 عاماً صنعت عشرات قوارب الصيد الصغيرة والكبيرة".

وبعدما انتهى من تثبيت ذلك اللوح، نادى على أحد عماله ليعدّ إبريقاً من الشاي، فوق موقد حطب أشعله على بعد أمتار من موقع عمله. فهذا المشروب يمدّه بالكثير من الطاقة ويشغله عن الشعور بالجوع، كما يقول.

ثلاثة أشهر فقط كانت كافية ليصنع قارب صيد كبيراً. لكنّ ظروف الحصار الإسرائيلي وإغلاق أنفاق التهريب، عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، جعلت "النجار" يستغرق عاماً كاملاً كي يستطيع إكمال بناء هيكل خشبي لقارب واحد.


يخشى الكهل الفلسطيني ألا يستطيع إكمال صناعة قاربه بعد انتهائه من صناعة هيكله بسبب التكلفة المادية العالية التي يحتاجها. فهو بحاجة إلى 60 ألف دولار أميركي لتشطيب القارب ودهانه وشراء معدّات الصيد.

وبحسب النجّار، فإنّ صناعة قارب من 18 متراً، يرتفع عن الأرض ثلاثة أمتار، يحتاج إلى 70 ألف دولار، منها 10 آلاف دولار لصناعة الهيكل، والباقي ثمن معدّات الصيد والتشطيب والطلاء.

تلك التكلفة المالية المرتفعة سيتحملها "صانع السفن الأخير" وحده هذه المرة. فقد قرّر اقتناء ذلك القارب، ليعود إلى مهنة صيد الأسماك التي تركها منذ ثمانية أعوام بعد فرض إسرائيل حصارها على قطاع غزّة، ومنعها الصيادين من الإبحار مسافة تزيد على ثلاثة أو ستة أميال بحرية في أحسن الأحوال.

يتمنّى النجّار رفع الحصار ليستورد المواد الخام اللازمة لصناعة القوارب الكبيرة، وأن تسمح إسرائيل للصيادين بالإبحار مسافة تزيد على 20 ميلاً، لتعود الحياة من جديد إلى مهنته، هو آخر صانعي القوارب في غزّة المحاصرة.

دلالات
المساهمون