لم تكد تمضي بضعة أيام على نفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مع نظيره في حكومة النظام السوري وليد المعلم في دمشق، الأنباء عن تجنيد بلاده مرتزقة سوريين، وإرسالهم عبر قاعدة حميميم الروسية في سورية، للقتال إلى جانب مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، حتى ظهر أحد سماسرة تجنيد المرتزقة لصالح الروس، وهو يتحدث عن عملية تجنيد عشرات الشباب السوريين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام.
وكان لافروف قد نفى في دمشق، منذ أيام عدة، الاتهامات التي تُوجه لبلاده بتجنيد المرتزقة في سورية ونقلهم إلى ليبيا، زاعماً أنها مجرد ادعاءات تشابه ما سماها بـ"الادعاءات" عن الدور الروسي في الولايات المتحدة وأوروبا. واعتبر أنها اتهامات عارية من الأدلة وادعاءات عارية من الصحة، تتسرب إلى الإعلام من دون الاستفادة من قنوات الاتصال الثنائي على المستوى الرسمي الموجودة بين روسيا ومختلف دول العالم، ما يشير إلى الأهداف الحقيقية لمن يروج مثل هذه الأخبار.
أكد شخص من السويداء أن لديه 700 شخص يريدون السفر إلى ليبيا
لكن المعطيات على الأرض السورية تناقض تماماً ما قاله لافروف، حيث نشر موقع "أنا إنسان" المحلي تسجيلاً صوتياً لشخص عرف عن نفسه باسم وسيم الدمشقي، الأحد الماضي، وهو من أبناء محافظة السويداء جنوب سورية، أكد فيه أنه يعمل مندوباً للقوات الروسية في قاعدة حميميم على الساحل السوري، مؤكداً أن لديه 700 شخص يريدون السفر إلى ليبيا، تحت مسمى "حرس منشآت نفطية" في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا حفتر في الشرق الليبي. وكشف الدمشقي، في حديثه، أن من يرغب في السفر إلى ليبيا بحاجة إلى موافقة "مكتب الأمن الوطني"، التابع لأجهزة النظام السوري، ومكتب الأمن الروسي في سورية، مبيناً أن قائد فصيل مسلح في ريف دمشق يدعى سليمان الشواخ تعهد له بجلب موافقات لـ400 شاب من السويداء ممن يرغبون في السفر إلى ليبيا.
وأكد الدمشقي أنه رافق مجموعة من الشباب الراغبين في التطوع إلى ريف اللاذقية، حيث دخل 100 شاب إلى معسكر تدريب هناك يشرف عليه الجانب الروسي، في حين عاد جزء آخر لأسباب لم يوضحها، مبيّناً أنه يتقاضى مبالغ مالية من الجانب الروسي عن كل شخص يسافر إلى ليبيا. وأفاد أحد الشباب العائدين من اللاذقية (لم يذكر اسمه في التسجيل) بأن شخصاً يدعى خالد الصفدي طلب من كل شاب يريد الذهاب إلى ليبيا 100 دولار أميركي مقابل تأمين عقود، بالرغم من أن الروس يدفعون للمندوب الذي يقوم بتجنيد الشباب، بحسب تعبيره. وفي حديث مع "العربي الجديد" روى أبو كنان، المتحدر من إحدى البلدات التابعة لمدينة مصياف في ريف حماة الغربي، تجربته في التعاقد مع إحدى الشركات الأمنية الروسية التي تعمل على تجنيد المرتزقة للقتال في ليبيا بالتنسيق مع القوات الروسية، ويصفها بـ"المذلة". وقال "تقاعدت منذ عدة أشهر عن العمل بعمر 48 سنة، حيث كنت موظفاً في إحدى مؤسسات الدولة، فبحثت عن فرصة عمل لتأمين دخل إضافي لعائلتي، لكن للأسف لم يحالفني الحظ لأجد تلك الفرصة، فاسودت الدنيا بوجهي". إلا أن أبو كنان وجد، حسب روايته، في اقتراح جاره في السكن طوق نجاة من واقع مادي غاية في السوء، موضحاً "جاري في البناية اقترح عليّ أن أرافقه للمركز الروسي، الذي يتعاقد مع الشباب لحماية منشآت النفط في سورية مقابل 300 دولار أميركي في الشهر. أما إذا كان العقد خارجي، لحماية المنشآت أو القتال في ليبيا، فيكون راتب الشخص ألف دولار شهرياً". وأضاف "في تلك اللحظات كان ما يسيطر على تفكيري هو سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة السورية، فـ300 دولار تساوي اليوم 720 ألف ليرة (سعر صرف الدولار الأميركي الواحد هو 2200 ليرة)، أما الألف دولار فهي مليونان و200 ألف ليرة، ما يعني أنه يبلغ أكثر من 40 ضعفاً من راتبي التقاعدي".
إذا كان العقد لحماية المنشآت أو القتال في ليبيا فيكون راتب الشخص ألف دولار شهرياً
وأشار أبو كنان إلى أن هذا العرض كان بالنسبة له حلاً لكل مشاكله "وأنا أرى أطفالي الثلاثة وزوجتي، الموظفة ممرضة في إحدى المشافي العامة، محرومين من أبسط احتياجاتهم". وتابع "أقنعت أحد أقارب زوجتي للذهاب معي، وبالفعل استقليت وقريب زوجتي سيارة أجرة من مصياف بريف حماة إلى قطعة عسكرية تتبع لقوات النظام بالقرب من تدمر في ريف حمص الشرقي في قلب البادية السورية". وأوضح أن مجموعة ضباط من قوات النظام متعاقدين مع الجانب الروسي يستقبلون المتطوعين، بينما يُشرف على المعسكر ضابط روسي يأتمر الضباط السوريون بأمره، مشيراً إلى أن الروس يتعاقدون لمدة ثلاثة أشهر مع أشخاص ما بين 22 إلى 49 سنة، للخدمة في ليبيا، على أن يحصل المتعاقد على 5 آلاف دولار، أربعة منها تحول إلى مصرف سورية المركزي وألف دولار يستلمها المتعاقد قبل صعود الطائرة، في مطار حميميم، حيث يتم نقلهم عبر طائرة شحن عسكرية روسية. أما إذا كانت الخدمة داخل سورية، فإن العقد ينص على تقاضي المتطوع 300 دولار أميركي، على أن يخضع المتعاقد لفترة تدريب ما بين 20 و60 يوماً قبل الفرز، إما إلى ليبيا أو لحماية منشآت نفطية داخل سورية.
من جانبه، قال أبو حيدر (34 سنة)، وهو أب لطفلين من ريف الساحل السوري والعائد من ليبيا أخيراً، إن تجربته كانت "قاسية جداً". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الروس يستغلون المتعاقدين أبشع استغلال. يعاملوننا كمرتزقة لا أكثر ولا أقل. وأضاف "بالرغم من ذلك هناك شباب يتحملون كل هذه المعاملة القاسية مقابل المال، حيث لا عمل لهم في سورية في ظل تفشي البطالة في البلاد على مدى أكثر من 9 سنوات". ولفت إلى أن "هناك عناصر في قوات النظام التحقوا بالشركات الأمنية الروسية المسؤولة عن تجنيد السوريين، للحصول على مرتبات عالية".
ونشر ناشطون محليون في محافظة السويداء منذ أيام أسماء مجموعة من الأشخاص يعملون لصالح الجانب الروسي من أجل تجنيد الشباب للقتال إلى جانب مليشيا حفتر، متهمين النظام بتحويل من بقي من الشباب في البلاد إلى مجرد وقود لحروب خارج سورية. وكانت عدة وسائل إعلام، منها وكالة "رويترز"، والمرصد السوري لحقوق الإنسان، ذكرت أن الجانب الروسي جند مئات السوريين للقتال في ليبيا، وأن المجندين دُربوا في قاعدة عسكرية بحمص قبل نقلهم إلى ليبيا، وخصصت لهم أجور شهرية تتراوح بين 1000 و2000 دولار. وأفاد المرصد في يوليو/ تموز الماضي بأن عملية التجنيد تستمر بشكل متصاعد في كل من درعا والسويداء وحمص والحسكة وحماة ودير الزور، مشيراً إلى "أن موسكو تستغل الأزمة المالية وسوء الأحوال المعيشية لتجنيد السوريين". ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن تعداد الأشخاص الذين وصلوا إلى ليبيا بلغ حتى يوليو 2700 مرتزق، يتقاضى الواحد منهم من الشركات الأمنية الروسية مبلغاً شهريا يصل إلى ألف دولار أميركي.