أصبح البرلمان التونسي شبه عاجز عن تمرير قوانين حكومة الوحدة الوطنية بسبب غياب البرلمانيين لأسباب شخصية، أو التغيب المقصود لتعجيز رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتعطيل حكومته، في سيناريو يبدو مكرراً لإسقاط رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.
وفشلت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب للمرة الرابعة على التوالي في تمرير قوانين ذات أولوية حكومية بالغة الأهمية، حيث يقف الائتلاف البرلماني الحاكم اليوم عاجزاً عن المصادقة على مشاريع القوانين الأساسية بسبب عدم قدرته تجميع الأغلبية المطلقة من الأصوات (109 من جملة 217 عضواً).
وقرر البرلمان بعد مخاض جلسة عامة دامت يومين من الأخذ والرد وإسقاط البنود والخلافات والمناوشات، إرجاء المصادقة النهائية على جميع القوانين الموضوعة على جدول أعماله، حيث كاد غياب النواب يتسبب في إسقاط مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث برنامج الأمان الاجتماعي للنهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل، كما تم إرجاء النظر في بنود القانون الأساسي الخاص بالأحكام المشتركة بالهيئات الدستورية المستقلة، بالإضافة إلى ترحيل اتفاقيات قروض.
واعتبر النائب عمار عمروسية، القيادي بـ"الجبهة الشعبية"، أن المجلس اليوم يعيش على وقع مسرحية مكررة لعملية إسقاط رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، وشرع اليوم الائتلاف البرلماني الحكومي في تنفيذ مخطط تعجيز رئيس الحكومة يوسف الشاهد عبر رفض القوانين الواردة منه، معتبراً أن الغياب المتعمد لائتلاف الحكم الهدف منه إسقاط الحكومة.
من جهته، اعتبر رئيس "الكتلة الوطنية" مصطفى بن أحمد أن البرلمان اليوم أصبح عاجزاً عن تمرير القوانين في 4 مناسبات، "وهي فضيحة بأتم معنى الكلمة حين يعجز الائتلاف الحاكم عن تجميع الأغلبية المطلقة للمصادقة على قوانين حكومته".
من جانبها، قالت النائبة المعارضة عن "الكتلة الديمقراطية" سامية عبوان، إن "وقاحة الائتلاف الحاكم فاقت كل الحدود بمطالبته المعارضة التصويت على قوانين حكومته"، مشيرة أن "تحيل رئاسة الجلسة في كل مرة برفع الجلسة العامة في أكثر من مناسبة للمناداة على النواب والبحث في الأروقة عن المصوتين يمثل نهاية فاضحة للائتلاف الحاكم".
من جانبها، اتهمت النائبة عن "نداء تونس" أميرة زوكاري المعارضة البرلمانية بـ"تعطيل ممنهج لقوانين تخدم مصلحة الفقراء والمهمشين والفئات الهشة، لأنها مبادرة قادمة من الحكومة"، مشيرة أنها "معارضة لمجرد المعارضة وليست معارضة للبرامج ولتقديم بدائل".
وبالرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاق قرطاج بقيادة يوسف الشاهد حصدت تأييد أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان، حيث منحها 167 نائباً ثقته في 26 أغسطس/ آب 2016 بما يترجم متانة الحزام البرلماني الداعم لها، إلا أن هذا الحزام أخذ يتآكل مع اقتراب إعلان مخرجات وثيقة قرطاج 2 وخوض الداعمين في تفاصيل التحوير الوزاري، وحتى تداول حديث عن رحيل رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
وأخذت الأزمة البرلمانية تتعمق يوماً بعد يوم بتراكم القوانين القادمة من الحكومة، والتي يبلغ عددها 60 قانوناً بحسب ما أكده مصدر حكومي.
ويبحث رئيس البرلمان محمد الناصر ومعه رؤساء الكتل جاهداً عن حل لإيقاف نزيف الغيابات الذي قد يعصف بكامل المسار الديمقراطي بسبب شلله لقوانين مصيرية على غرار المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية الأخرى.
وبالرغم من تفعيل البرلمان لعملية الاقتطاع من أجور النواب المتغيبين ونشره أسماء النواب المتغيبين في محاولات للتشهير بالمقصرين، فإن هذه الآليات بقيت عاجزة أمام الحد من ظاهرة الغيابات التي تشل العمل التشريعي بشكل شبه كامل.