03 نوفمبر 2024
شكرا مستر ترامب
كانت المياه راكدة، وكانت السنوات تمر رتيبة، وكان الماسكون بزمام القرار داخل فلسطين يواصلون اجترار الأوهام بشأن تسويةٍ سياسيةٍ يعلمون جيدا أنها لن تتحقق. وكانت حكومات الدول العربية والإسلامية تسائل نفسها، من حين إلى آخر، لماذا نجازف نحن في حين أن أصحاب القضية يغطون في نوم عميق، وهو ما فتح الطريق أمام بعض هذه الأنظمة للشروع في التطبيع الهادئ مع الدولة العبرية.
في الأوضاع المتراخية والنفوس المهزوزة، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن تفعيله قرار الكونغرس نقل السفارة الأميركية من تل أبيبي إلى القدس، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. وما أن أصبح الأمر واقعا ورسميا، حتى سرت في مختلف الأجسام روح جديدة. لم تمت الذاكرة الجماعية، ولم تندثر القضية الجامعة، ولم تتفتت إرادة الرفض والتمرّد. وإذا بمشهد جديد يطفو على السطح، داعيا الجميع إلى مراجعة آليات التفكير والتخطيط، من أجل قلب الطاولة، وتحويل الشعور بالضعف إلى قوة ضاغطة ومعاندة.
رفض العالم قرار ترامب، وأجمعت الشعوب العربية والإسلامية على التمسك بعروبة القدس، لا يحق لأحدٍ أن يتصرّف في مصيرها. ليست الإدارة الأميركية إلها، إذا قالت للشيء كن فيكون. نعم هي قوة دولية، لكنها ليست مؤهلة لتجعل من الباطل حقا، ومن الظلم عدلا، ومن الفساد في الأرض إصلاحا. ولهذا أجمعت كل الحكومات والمؤسسات الدولية على وصف قرار نقل السفارة بأنه غير شرعي، ومتعارض مع الشرعية الدولية.
القدس هي فلسطين، وفلسطين هي القدس، ومحاولة الفصل بينهما هي إلغاء لفلسطين وتحويل القضية إلى خلاف عادي على قطعة أرض صغيرة وعادية، مع كامل الاحترام لمدينة بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح. لأجل ذلك، يصر الصهاينة على ابتلاع كل القدس، ويسعى غلاتهم من أقصى اليمين الديني إلى اقتحام المسجد الأقصى والسيطرة عليه، والعمل على هدمه، لأن في تلك الرقعة الصغيرة كل القصة، وتتجسد معالم الحكاية والأسطورة. إنه القلب النابض لهذه التراجيديا المستمرة منذ وعد بلفور. ومن يخطئ الحساب في هذه المسألة لا يخرج عن كونه جاهلا أو متآمرا أو فاقدا أي حس استراتيجي. يجب أن يدرك هذا القول جيدا كل من يفكر في تبرير الجريمة، أو المشاركة فيها، أو ملازمة الصمت في شأنها، أو ناصح بغباء. القدس لا تقاس بالسنتيمتر، لأن القضايا الرمزية التي يختلط فيها المقدّس بالمشاعر لا تقدر بالمساحات، أو بالأموال، أو بالمعادلات الرياضية. إنه شيء أكبر من ذلك بكثير. إنه سر يجهله الرئيس الأميركي، ومن يؤيده، على الرغم من أنه يرى بأم عينيه هؤلاء الشباب الذين ينزلون كل يوم بالحماسة نفسها ليواجهوا بالحجارة جيش الاحتلال المدجّج بالسلاح، قبل أن يعودوا إلى منازلهم حاملين جثث رفاقهم الذين سقطوا شهداء على الأرض الطيبة. أكيد أنه يرى فيهم مجموعة من "الأغبياء" يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، وتم التغرير بهم من محترفي السياسة. يفعل ذلك اعتقادا منه بأن القوة وحدها هي التي تصنع التاريخ. صحيح أن هناك من قال ذلك من الفلاسفة وواضعي الاستراتيجيات العسكرية، لكن عشرات الأمثلة دلت على أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
اليوم، وبعد إعلان ترامب، تواجه القيادة الفلسطينية اختبارا مصيريا، إذا ما استمرت تفكر بالطريقة السابقة نفسها، وحافظت على القول إن 99% من أوراق القضية لا تزال بيد واشنطن، فإن هذه القيادة لن تستطيع البقاء، وسيتم تجاوزها، وربما إسقاطها نتيجة فقدانها للشرعية. أو أنها ستعيد ترتيب حساباتها، وستتحرّك في اتجاه تعزيز الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، والتخلي عن الاتفاقيات التي وقعتها ولم تسفر عن أي نفع حقيقي للقضية. وأن تعمل أخيرا على استثمار هذا التضامن الدولي الكبير، وأن تعيد بناء ذلك النسيج الضخم من العلاقات والشبكات الدولية الممتدّة، والتي تجمع أحرار العالم في كل مكان الذين شكلوا من قبل حليفا استراتيجيا غير هين.
إذا ضاعت هذه الفرصة، فإن موجة عنف عمياء أخرى قادمة ستزيد من أزمة الأمة، وستوسع من جراحها.
في الأوضاع المتراخية والنفوس المهزوزة، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن تفعيله قرار الكونغرس نقل السفارة الأميركية من تل أبيبي إلى القدس، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. وما أن أصبح الأمر واقعا ورسميا، حتى سرت في مختلف الأجسام روح جديدة. لم تمت الذاكرة الجماعية، ولم تندثر القضية الجامعة، ولم تتفتت إرادة الرفض والتمرّد. وإذا بمشهد جديد يطفو على السطح، داعيا الجميع إلى مراجعة آليات التفكير والتخطيط، من أجل قلب الطاولة، وتحويل الشعور بالضعف إلى قوة ضاغطة ومعاندة.
رفض العالم قرار ترامب، وأجمعت الشعوب العربية والإسلامية على التمسك بعروبة القدس، لا يحق لأحدٍ أن يتصرّف في مصيرها. ليست الإدارة الأميركية إلها، إذا قالت للشيء كن فيكون. نعم هي قوة دولية، لكنها ليست مؤهلة لتجعل من الباطل حقا، ومن الظلم عدلا، ومن الفساد في الأرض إصلاحا. ولهذا أجمعت كل الحكومات والمؤسسات الدولية على وصف قرار نقل السفارة بأنه غير شرعي، ومتعارض مع الشرعية الدولية.
القدس هي فلسطين، وفلسطين هي القدس، ومحاولة الفصل بينهما هي إلغاء لفلسطين وتحويل القضية إلى خلاف عادي على قطعة أرض صغيرة وعادية، مع كامل الاحترام لمدينة بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح. لأجل ذلك، يصر الصهاينة على ابتلاع كل القدس، ويسعى غلاتهم من أقصى اليمين الديني إلى اقتحام المسجد الأقصى والسيطرة عليه، والعمل على هدمه، لأن في تلك الرقعة الصغيرة كل القصة، وتتجسد معالم الحكاية والأسطورة. إنه القلب النابض لهذه التراجيديا المستمرة منذ وعد بلفور. ومن يخطئ الحساب في هذه المسألة لا يخرج عن كونه جاهلا أو متآمرا أو فاقدا أي حس استراتيجي. يجب أن يدرك هذا القول جيدا كل من يفكر في تبرير الجريمة، أو المشاركة فيها، أو ملازمة الصمت في شأنها، أو ناصح بغباء. القدس لا تقاس بالسنتيمتر، لأن القضايا الرمزية التي يختلط فيها المقدّس بالمشاعر لا تقدر بالمساحات، أو بالأموال، أو بالمعادلات الرياضية. إنه شيء أكبر من ذلك بكثير. إنه سر يجهله الرئيس الأميركي، ومن يؤيده، على الرغم من أنه يرى بأم عينيه هؤلاء الشباب الذين ينزلون كل يوم بالحماسة نفسها ليواجهوا بالحجارة جيش الاحتلال المدجّج بالسلاح، قبل أن يعودوا إلى منازلهم حاملين جثث رفاقهم الذين سقطوا شهداء على الأرض الطيبة. أكيد أنه يرى فيهم مجموعة من "الأغبياء" يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، وتم التغرير بهم من محترفي السياسة. يفعل ذلك اعتقادا منه بأن القوة وحدها هي التي تصنع التاريخ. صحيح أن هناك من قال ذلك من الفلاسفة وواضعي الاستراتيجيات العسكرية، لكن عشرات الأمثلة دلت على أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
اليوم، وبعد إعلان ترامب، تواجه القيادة الفلسطينية اختبارا مصيريا، إذا ما استمرت تفكر بالطريقة السابقة نفسها، وحافظت على القول إن 99% من أوراق القضية لا تزال بيد واشنطن، فإن هذه القيادة لن تستطيع البقاء، وسيتم تجاوزها، وربما إسقاطها نتيجة فقدانها للشرعية. أو أنها ستعيد ترتيب حساباتها، وستتحرّك في اتجاه تعزيز الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، والتخلي عن الاتفاقيات التي وقعتها ولم تسفر عن أي نفع حقيقي للقضية. وأن تعمل أخيرا على استثمار هذا التضامن الدولي الكبير، وأن تعيد بناء ذلك النسيج الضخم من العلاقات والشبكات الدولية الممتدّة، والتي تجمع أحرار العالم في كل مكان الذين شكلوا من قبل حليفا استراتيجيا غير هين.
إذا ضاعت هذه الفرصة، فإن موجة عنف عمياء أخرى قادمة ستزيد من أزمة الأمة، وستوسع من جراحها.