شكراً

07 يناير 2017
من قلوب تحب بصدق أيضاً، شكراً (جاريد ويكارهام/ Getty)
+ الخط -
شكراً. نشكر شخصاً ندرك أنّه اختار أن يفعل شيئاً بطريقة معيّنة. وحين نشكر، نعترف باعتمادنا على الآخرين. فنحن لا نعيش في جزيرة. وإذا كنّا لا نشكر، علينا أن نشعر بالقلق حيال ما فعلناه، وكأنّ لا معنى له. إهانة الفعل تعني إهانة الشخص.

شكراً إذاً. ونحن نقول شكراً لجميع الذين وقفوا إلى جانبنا. هذه عبارة فضفاضة لكنّها تستوعب الجميع. المرض مؤلم. وذلك الذي ما زال وقعه ثقيلاً على مسمعنا، أي السرطان، مؤلم كثيراً. يبدأ الألم غريباً ولا تعرف إن كان عليك أن تتألّم أم لا. سرطانه ليس الأوّل ولن يكون الأخير. مثل رشحٍ. أهذا ما نقوله عن السرطان اليوم؟ قليل من المسكّنات وقليل من المناديل الورقيّة وقليل من الراحة في البيت وقليل من الحساء الساخن. لا أكثر. السرطان مؤلم بعد صدمة. تحتاج نصف الوقت لاعتياد المرض، وأوقاتاً كثيرة لتحمّل الألم.

ماذا يؤلمك؟ كلّ شيء. لا أعرف. هنا. الألم هنا ويمتدّ إلى أعلى، لا إلى أسفل. لا أدري. لكنّه يئنّ، والأنين أشدّ ألماً من الصراخ. يئنّ ويحمل كلّ جزء من جسده على حدة. كأن الوجع يشدّها نحوه وهو يريد استرجاعها. هي ملكه قبل السرطان.

وجهه في المرآة غريب. مثل مريض يرفض أن يكونه. اعتاد وجهه واعتاده الجميع. اعتادوه حتى بات عادة، ما عداه. يدرك جيّداً أنّه لا يخصّه. هذا وجه فرض عليه.

شكراً للجميع. أولئك الذين سألوا كثيراً وتمنوا له الشفاء، وأولئك الذين كان وجودهم في المستشفى راحة. ولا داعي للبحث عن كلمات أخرى. فالراحة هي ما يحتاجه أي مريض. راحة تأتي من خلال وجود أناس يبتسمون ويضحكون. هذه لحظات كافية لنسيان الألم ولو لبعض الوقت. وهذه مهمة هؤلاء وحدهم. الناس الذين نقول إنهم "وقفوا إلى جانبنا". دائماً نجدهم. وأكثر في الألم، حين يحضرون بدافع الحب فقط. ففي غرفة المستشفى، لن يراهم أحد.

إحدى الدراسات تقول إن الشكر يجعل الناس يرونك أكثر دفئاً، وقد يرغبون في بناء علاقات اجتماعية معك. والشكر هو "ردّ جميل" أو شعور بالامتنان لوجود أحضان كانت تتلقفنا بدفء. والدفء معدٍ كما الحب.

شكراً للّذين اعترفوا بالألم، وعرفوا أن السرطان ليس رشحاً، وإن كان زائلاً في النهاية. شكراً للّذين أرجأوا لحظات فرح في حياتهم، ليجتمعوا في فرحة واحدة.

شكراً لكثيرين، كان حضورهم مثل حبّات شوكولاتة أخيرة نهرع لتناولها. هم كل تلك الحلاوة. يستحيل أن يشعر أحد بألم الآخر. تبدو "كليشيه"، إلّا أن فيها كل الحقيقة. وربّما لم يدّع أحدٌ هذا. كانوا هنا فقط ليس لأنهم يتألمون، بل لأنّهم يحبّون بصدق.

من قلوب تحب بصدق أيضاً، شكراً للجميع. وشكراً كريم.

دلالات
المساهمون