شعب فلسطين ليس فلسطينيا

07 مارس 2016
+ الخط -

فلسطين هي فلسطين. لا مشكلة في ذلك عند كثير من الصهاينة. فبوسعهم القول إنَّ صحيفة "جيروزليم بوست" كانت تدعى "بالستاين بوست"، وإن شركة الكهرباء الإسرائيلية كان اسمها شركة الكهرباء الفلسطينية، وإن "بنك ليئومي" كان يسمى البنك الإنكليزي الفلسطيني وإنّ وإنّ..

 فلسطين هي فلسطين، لا مشكلة في ذلك، لكنَّ سكانها ليسوا فلسطينيين! هنا المشكلة. قد تكون هذه المرة الأولى في التاريخ التي تسمَّى فيها بلد باسم، ويسمَّى شعبها باسم آخر. فلسطين هي فلسطين، صحيح، ويمكن قبول هذه التسمية، لكن سكانها عرب. الفلسطينيون الحقيقيون هم اليهود!

هذه ليست مزحة. وليست من نسج خيالي. فمَنْ هو غير مطلع على "مماحكات" الصهاينة اللغوية والهوياتية يجد ما أقوله من قبيل "التشنيع" على الإسرائيليين الذين يحملّهم العجز العربي سقوط قطارٍ متهالك في النيل، أو تشكُّل نهر من النفايات في بيروت. جرَّني إلى صراع التسميات مع إسرائيل كلامٌ متهافت لعضو في الكنسيت الإسرائيلي عن حزب ليكود، عراقية الأصل، قالت فيه، أخيراً، إن فلسطين (بالنطق الإنكليزي) غير موجودة، أو شيء من هذا القبيل، لأن لا وجود لحرف P في اللغة العربية! كيف يمكن أن تكون فلسطين لنا، ولغتنا لا تتوافر على الحرف الأول من اسمها؟ طبعاً تنسى السيدة اليهودية، ذات الأصل العراقي، أن العرب لا يسمّون فلسطين (بالستاين)، وأن الإمبراطور الروماني هدريان هو الذي خلع عليها هذا الاسم، وأنها كانت تسمّى، قبل ذلك، بلاد كنعان أو أرض كنعان. "المماحكة" الإسرائيلية، في خصوص التسميات المتعلقة بفلسطين، ليست بلا دلالة بالطبع. إنها، في العمق، أبعد من أن تكون مجرد مماحكات. التسمية، كما نعرف، امتلاك. وليس مصادفةً أنّ الغزاة يغيّرون، غالباً، أسماء البلاد التي يحتلونها، وهذا ما فعلته الحركة الصهيونية، بعد تمكّنها من إقامة كيانها على أرض فلسطين. محت، والاحتلال محوٌ أيضاً، الأسماء السابقة عليها، وألصقت عليها أسماء من ذخيرتها الأسطورية، بعضها قريب من الاسم القديم، وبعضها اختلاق تام. فاللغة تقوم، هنا، بعمل استيطاني. لا مجال للاستيطان، وإحلال شعب محل شعب إلا بجعل اللغة تكدح في التزوير والاختلاق.
*
الصراع على الاسم هو صراع على التاريخ، كما أنه صراع على الواقع. الإسرائيليون الذين يقولون إن اسم فلسطين لم يكن كثير الاستخدام فلسطينياً وعربياً محقون. الغزو الاستيطاني الصهويني هو الذي عجَّل في بلورة اسم فلسطين، بالمعنى الذي نتداوله الآن. الصهاينة، ومن وضع مشروعهم الاستيطاني في فلسطين موضع التنفيذ، هم الذين صنعوا تعارضاً، أو فارقاً، لم يكن موجوداً بين ما هو فلسطيني وما هو عربي. فلم تكن كلمة "عربي" في مواجهة "فلسطيني". "عربي" قد تعني ما هو تحت قومي. البدو الذين أتحدَّر من أصلابهم يسألون ضيفهم البدوي، مثلهم، عن "عربه"، أي أهله وعشيرته. كان الفلسطيني، مثل السوري والأردني واللبناني والمصري، ينتمي إلى مدينته، بلدته، أو حتى قبيلته. فعندما يُسأل من أي مكان هو يقول من القدس، أو صفد، الناصرة، أو يافا. فلم يكن الكيان الوطني قد ولد بعد. كنا تحت حكم الباب العالي العثماني. ولهذا، سمي المهاجرون السوريون والفلسطينيون واللبنانيون إلى أميركا اللاتينية أتراكاً. في روايات ماركيز يرد لفظ "لا تركو"، وهو يدل على القادمين من بلاد الشام في أواخر أيام الدولة العثمانية.. وظل أحفاد هؤلاء يسمّون هكذا حتى اليوم. لم يفطن الفلسطينيون إلى الفارق الخبيث الذي يريد سدنة الكيان إسرائيل الصهاينة صنعه بين "فلسطيني" و"عربي" إلا متأخراً. لاحظوا أن محمود درويش، ابن فلسطين المحتلة عام 48، لم يقل: سجِّل أنا فلسطيني (ليس لعدم استقامته عروضياً) بل قال: سجِّل أنا عربي. لقد طرح الاحتلال الصهويني (القومي) تحدياً قومياً على الفلسطينيين. صارت عربي في مواجهة صهيوني. وليست في مواجهة إسرائيلي. مع أسرلة الكيان الصهيوني، صار على الفلسطيني (العربي) أن يكون فلسطينياً. فالصراع، هنا، ليس على الجزيرة العربية، بل على فلسطين. صار ممكناً وضرورياً أن يتقدّم سكان الأرض الأصليون كفلسطينيين. أن يحولوا اسم بلاده اسم نسبة. تمسَّكوا بالاسم. إنه عكس ما قاله شكسبير: ماذا في الاسم؟

 

 

 

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن