شراشيب الحرمل الأيزيدية

07 أكتوبر 2014
حبات الحرمل الخضراء على شكل سلسلة مربوطة بخيط
+ الخط -

بينما كانت منال تتسوّق لشراء بعض الملابس للصغار، سبقتُها أدخّن سيجارتي بعيداً عن الزقاق الضيق المعتم قليلاً، ورحتُ أتأمّل المحال القريبة في آخر الشارع. شهقت وأنا أرى تلك الحبات المربوطة إلى بعضها بعضاً، مرصوفة على شكل هرمي، المثلث من الأعلى، تتدلى منه تلك الحبات على شكل خيوط.

فجأة قفزت إلى ذاكرتي القرية، وأنا واقفة في "الجارشيه" أو السوق التركي القديم في مدينة مرسين. رميت السيجارة ودخلت إلى المحل بخطوات بطيئة كأنني أذهب إلى الماضي، أدخل بيت عمّتي، حيث كنت صغيرة، لا أفهم هذه اللوحات المصنوعة من النبات. فهي حبات الحرمل الطبيعية التي كنت اعتقد أنها من الحمّص، لكنها هشّة ورقيقة ومُخيّطة ومرتبة ضمن شكل ثابت، هرمي، تُعلّق في البيوت الريفية.

غاب هذا المشهد عن طفولتي، وعاد فجأة الآن، بعد ثلاثين سنة تقريباً، لألتقيه في مدينة مرسين التركية. داخل المحل، كانت" شراشيب" الحرمل تتدلى من السقف ضمن شكل واحد، تنتهي بقصاصات قماشية تختلف ألوانها من هرم الى آخر، دون أن أفهم الدلالات اللونية للأقمشة المُخيطة في المستطيل الأعلى، الفاصل بين رأس الهرم وقاعدته التي تتشكل من تلك الشراشيب.
سألني البائع عن القطعة التي أرغب فيها، مشيراً إلى السقف: "بو؟"، أي هذه؟ وأنا أحتار بين الألوان، فأشير بيدي إلى هرم من الحرمل يحمل قصاصات حمراء وخضراء، وأقول: بو!

أنزل البائع تلك القصاصات الملونة المقرونة بحبات الخردل، مستخدماً قضيباً من الحديد معقوفاً في أحد طرفيه، ووضعه في كيس من البلاستيك. هبط قلبي من السعادة، وأنا أقتني ذلك السحر الذي شغل مخيلتي الطفولية، ولم أفهمه يوماً، سوى أنني فُتنت بتلك الغرابة: حبات من اللون الأبيض المائل للرملي، تتصدر جدران البيوت الريفية، مخفية سرّاً ما، قد لا يعرفه أصحاب البيت ذاته.
حين أريتُ منال ما اشتريته، قالت لي على الفور: "آه هو لردّ العين، في القرية نحرق حبات الحرمل، لطرد الأرواح الشريرة".
سأضع هرمي الحرمليّ، وأنا أحاول اقتناص بعض الرائحة من النبات المجفف، وأعلقه في بيتي الباريسي، لا لطرد الأرواح الشريرة، بل لاستجلاب روح عمّتي وروح القرية، حيث هذا المشهد النادر، حسب تجربتي.
حاولت البحث عن أصل النص الحرملي السري، ليخبرني أحد الأصدقاء من الديانة الأيزيدية بأن ضم حبات الحرمل وفق تلك الصيغة الهرمية، هو تماهٍ مع شكل معبد لالش المعروف لدى الأيزيديين، وأنه، وفق رأي الصديق، تُحرق حبات الحرمل يوم الأربعاء، اليوم ذو الدلالة الدينية لدى الأيزيديين، وأنه يسمّى بالكردية (أوزلك).
حسب المصدر ذاته، فإن هذا التقليد أو التصميم للحرمل، انتقل من البيئة الأيزيدية للأكراد من ديانات أخرى، كالمسلمين، وصار من ضمن الممارسات التقليدية التي تنفصل بمرور الزمن عن الدلالة الدينية، لتتحول إلى عادة اجتماعية. أي كما الحال في أعياد الميلاد، التي يحتفل بها العالم، من مسيحيين وغيرهم.
لم أعلّق الحرمل بعد، وبالتأكيد لن أحرق حباته  لتجريب أثره، لكنني أعد بالتحدث عن التغييرات اللاحقة في بيتي وحياتي بعد وضع الحرمل، الذي لا تزال تنصح به الكثير من الوصفات الشعبية الطبية، لمعالجة الآلام، بل وجلب الرزق، وفي قول يُنسب الى الإمام علي، إن فرعاً من شجرة الحرمل، يشفي من اثنين وسبعين داءً.
دلالات
المساهمون