شرابات مبارك للجميع

03 أكتوبر 2015

كاريكاتير لمصطفى حسين

+ الخط -
لم أكن أتصور أن تأتي ساعة يتغزّل فيها الناس بشراب حسني مبارك بعد ثورة شهِد لها العالم، وخصوصاً حينما (يضرب) الشراب بالعفن، فأدركت أن المجاري قد طفحت بالفعل، وأن السنوات التي تلت ثورة يناير المجيدة (في الأرواح فقط)، تمّت فيها أشياء تفوق الخيال في عنفها وقذارتها.
محلوظة: شراب مبارك المعفّن، على حد وصف الممثلة سهير البابلي، الدرة المصونة والجوهرة المكنونة، وهي نفسها التي تغزّلت فيه على الهواء مباشرة، بعد أن أقسمت بالله وقالت: (هاتولي شراب مبارك المعفن حتى أبوسه). وهذا للعلم فقط.
نعود إلى موضوعنا، ودعنا من شراب مبارك الآن، ونعود إلى الراقصة سما المصري، حينما تصدّرت صورها وتصريحاتها أخبار ترشحها لمجلس الشعب عن دائرة الجمالية، فردّ على تصريحاتها السلفيون بلحاهم في التو والحال، ورقصوا، وكأن الرقص شرط المنافسة، فإن كانت سما ترقص، فالسلف لهم في الرقص، وبلحاهم أيضا. هل ابتعدنا كثيراً عن الشراب؟.
لاحظ أن الممثلة غادة عبد الرازق كانت تقول دامعةً: بابا حسني مبارك. واتضح، قبل أيام، أن طليقها محمد فودة نجم بين المتهمين في قضية فساد وزارة الزراعة التي أصابت بعفنها تسعة وزراء (أي ربع التورتة)، وكانت غادة عبد الرازق، كما يقال، ضالعة مع محمد فودة، ويقال إن هروبها إلى دبي كان للسبب نفسه، فهل ابتعدنا كثيرا عن رائحة الشراب؟
كما يجب أن تلاحظ أن وحيد حامد، السيناريست وصاحب الشفافية في الفن والحياة، قد (ضرب) هو الآخر فواتير، وخرج على الفضائيات كاذباً بأن محمد مرسي سدد الفواتير من أموال الدولة. واتضح، فيما بعد، بشهادة مسؤول الجهاز المركزي للمحاسبات، أن الفواتير (مضروبة)، فهل ابتعدنا قليلاً أو كثيراً عن رائحة الشراب؟ أو رائحة النخبة، حينما تشتغل في (ضرب) الفواتير أو حتى ضرب المجاري؟
فهل بعد ذلك تحزن أو تزعل، حينما يأتي، قبل يومين، مفكر عتويل، مثل سيد القمني، ويساوي بين عثمان بن عفان وحسني مبارك، عثمان الذي جهّز من ماله جيش العسرة، ساواه سيد القمني بمبارك، القاتل وناهب القصور وعمولات السلاح والأراضي ومهرّب المليارات، فهل هرّب عثمان من بيت مال المسلمين لبناته وآل بيته إلى حواف روما شيئاً يضاهي ما هرّبه مبارك، أم أننا مازلنا، أيضاً، في منطقة شراب مبارك؟ وبالمصادفة، في أفلام العيد المعروضة على قنوات رجال أعمال مبارك، لم أر فيلماً إلا وكانت فيه صورة مبارك، بكامل ثقلها، وفي إطارها المذهب الثقيل في عين الكادر؟
فهل مصادفة أن تتغزّل الممثلة سهير البابلي، قبل الانقلاب بأسبوع، بالروائح العطرية لشراب مبارك. وهل مصادفة أن يبكي الممثل حسن يوسف بالقرب من صدره، فتنهال عليه المسلسلات، وتخرج زوجته الممثلة شمس البارودي، الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، من وراء نقابها، وتقول للرئيس عدلي منصور: إلا كباين ميامي يا ريس. فتعود كابينة ميامي ثانيةً إلى الدرة المكنونة والجوهرة المصونة بأمر من القضاء الإداري، واجب التنفيذ على الفور.
هل ابتعدنا كثيراً عن الشراب، أم أن للسيدة سهير البابلي الحق، بعدما شمّت وعرفت روائح الفتن التي تمّت بليل، خوفاً على مسلسلاتها، فكم شراب يا تُرى وزّعه مبارك على أهل الفن والطرب والسياسة من مشفاه في المعادي؟ وهل نال من تلك الهدايا رفعت السعيد وسامح عاشور وحمدين صباحي، ثم تكتّم الجميع على بلواه؟ واضح أن شراب مبارك سيظل صالحاً لإثارة الدهشة، وخصوصاً بعدما تصالحت النخبة، وتناست الروائح.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري