وما يعزز القلق في واشنطن، أن الإدارة غير واضحة حول تصعيدها غير المسبوق مع طهران. فهي تُجري الاستعدادات والتحركات والاتصالات لما يبدو أنّه عمل عسكري وشيك، لكنها لا تقدم الحيثيات التي تسوّغ كل هذه التعزيزات الحربية. شرحها الملتبس للدواعي أثار التشكيك بالنوايا. ثم جاء استهداف، يوم الأحد، أربع بواخر نقل سعودية وإماراتية بصورة غامضة، ليزيد من التساؤلات وعلامات الاستفهام، خاصة أنّ عملية التخريب هذه جرت في مساحة مكشوفة على الشاطئ وليس في عرض البحر.
وقوع حادثة من هذا النوع وفي ظل التوتر السائد، من شأنه توجيه أصبع الاتهام نحو طهران، خاصة بعد صدور تعليق عن أحد النواب في البرلمان الإيراني الذي نسب إليه قوله إن عملية البواخر " تبيّن مدى انكشاف السعودية والإمارات للضربات الهجومية". لكن مع ذلك، بقيت الظنون متجهة إلى مكان آخر وإن من غير شطب احتمال أن تكون إيران وراء الحادثة.
الاسم الأبرز في المشهد كان ولا يزال مستشار الرئيس الأميركي جون بولتون الذي تسود القناعة بأنه المهندس الرئيسي للإجراءات العسكرية الأخيرة، يؤازره وزير الخارجية مايك بومبيو الذي ألغى زيارته إلى موسكو ليعرج على أوروبا ربما لممارسة جرعة جديدة من الضغوط قبيل الانفجار المحتمل. فهو، أي بولتون، يدعو منذ فترة طويلة ويعمل للتغيير في طهران. والآن يتمتع بوضع ممتاز في صناعة القرار ودفعه للترجمة على الأرض.
"لا اعتقد أن الرئيس دونالد ترامب يسيطر على بولتون"، يقول النائب والمرشح الرئاسي ساث مولتون. تقدير يشاركه فيه ولو بدرجة أخف، العديد من المراقبين والمحللين.
وما يثير خشية هذه الأوساط أن بولتون اختار اللحظة المناسبة لاستفراده أو على الأقل لاستئثاره بالقرار. فالبيت الأبيض منهمك في حربين يرتبط مصير رئاسته بنتائجهما: معركته مع مجلس النواب، حول التحقيقات والملاحقات القانونية الجارية ضده في الكونغرس والمحاكم (29 قضية). وحربه التجارية التي فتحها مع الصين. والكونغرس مقسوم حتى العظم حول الأولى، وغير قادر بحكم سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، على نهي البيت الأبيض عن الثانية، علماً بأنه غير مؤيد لها.
في ظل هذا الانشغال تبدو الساحة خالية لبولتون كي يمضي في خطته لتصفية الحساب مع طهران. والأمور تبدو سائرة في هذه الوجهة "وسنكون من المحظوظين إذا لم ينفجر القتال" مع إيران، كما يقول آرون دافيد ميلر نائب رئيس مؤسسة وودرو ويلسون للدراسات في واشنطن، وهو الدبلوماسي السابق الذي عمل في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
تحذير يتردد صداه بصورة لافتة في واشنطن. حتى الكونغرس الغارق في مشاغله، بدأت أوساطه تشكو من تركها خارج الصورة وعدم وضعها في جو المعلومات التي استوجبت الاستنفار العسكري. بعض النواب الديمقراطيين، دعا إلى الحذر "والتأكد من صحة المعلومات" الاستخباراتية، قبل الاقدام على أي عمل. تنبيه مستوحى من تجربة غزو العراق، خوفاً من تكرار التورط الذي تبين أنه قام على ذرائع ملفقة. "فلا تذهب إلى الحرب لأجل الحرب" قال النائب سيث مولتون الذي سبق له أن خدم في العراق والذي أفاض في الحديث عن ويلات الحروب من هذا النوع.
لكن دراسة تجربة العراق قد لا تجد طريقها إلى التطبيق في الحالة الراهنة. فالتوتر الأميركي ــ الإيراني والعربي ــ الإيراني المتفاقم هو من الصنف الذي يسبق الصدام. البيئة جاهزة لحرب عرضية والكوابح شبه مفقودة، إلا إذا حكمت حسابات الرئيس في اللحظة الأخيرة بتفادي ما يمكن أن يتحول إلى ورطة تواكب الحملة الانتخابية وبما يضمن الإطاحة بحظوظ تجديد رئاسته.