شباب ونساء تونس في مجالسها البلدية… ديناميكية اجتماعية جديدة؟

28 مايو 2018
احتساب النتائج غداة يوم الانتخاب (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
في السادس من مايو/ أيار الجاري، أجريت الانتخابات المحليّة في تونس. صحيح أنّ نسب التصويت لم تكن مرتفعة، غير أنّ النتائج بيّنت تغيّراً في توجّه التونسيّين الذين اقترعوا لمصلحة نسبة لا بأس بها من الشباب والنساء

لم تنته بعد دروس الانتخابات البلدية في تونس، وما آلت إليه من معطيات مهمة تكشف بعض توجّهات الناخب التونسي وأمزجته، وتصوّر التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع التونسي في ديناميكيته التي أحدثتها الثورة، وتعكس ميوله المتعلقة بشكل السلطة الجديدة وتكوينها على نحو يقطع مع السائد ويعيد ترتيب مشهد جديد، ليس سياسياً فقط وإنّما اجتماعياً خصوصاً.

وأظهرت أرقام الانتخابات المحلية التي جرت في السادس من مايو/ أيار الجاري أنّ الشباب دون 35 عاماً حصدوا 2673 مقعداً في المجالس البلدية، أي 37.16 في المائة من إجمالي المقاعد. أمّا النساء فقد تمكنَّ من الحصول على 3385 مقعداً، أي نحو 47 في المائة من المقاعد. وهذا يعني أنّ فئتَي الشباب والنساء حصدتا مجتمعتَين نحو 84.16 في المائة من إجمالي المقاعد والأصوات، أي ثلثَي المجالس البلدية.

ويعوّل المراقبون على أن تكون هذه الدماء الجديدة التي جرى ضخّها في مفاصل الحكم المحلي قادرة على تغيير الأوضاع في الداخل والأطراف، خصوصاً ما يتعلق بتغيير نمط الحكم واتخاذ القرارات وإحداث ديناميكية حقيقية في إمكانها تشكيل فكر ونموذج سياسي واجتماعي يبدأ من القاعدة، وذلك بعدما فشل القرار المركزي طيلة عقود في الاهتمام بالداخل والمحلي وأهمل جهات كاملة من البلاد سقطت في التهميش والنسيان، الأمر الذي جعلها تهتز وتنتفض مرّات كثيرة إلى أن بلغت درجة الغليان وقادت إلى الثورة في نهاية الأمر. فهي أعلنت عن رغبتها العميقة في تغيير، ليس النظام السياسي فحسب، وإنّما كل المنظومة الفكرية والاجتماعية التي بنيت عليها الدولة الحديثة بعدما استنفدت كل ما لديها من نسق حكم وصل إلى مداه.




وتدلّ الأرقام على واقع جديد، خصوصاً أنّ النظام الانتخابي التونسي سهّل وصول فئات اجتماعية كانت مستبعدة عن المشاركة الفعلية في القرار اليومي، عبر إقرار مبدأ التناصف بين الجنسَين في قوائم الترشيح وضرورة اشتمال الشباب والأشخاص المعوّقين. وتبيّن بعض الأرقام أنّ 573 رئيسة قائمة حصلنَ على مقاعد في المجالس البلدية في مقابل 1363 رجلاً رئيس قائمة، بينما حصل 144 مرشحاً من بين الأشخاص المعوّقين على مقاعد، منهم 15 رئيس قائمة.

وحصدت الفئة العمرية (36 - 45 عاماً) 25.87 في المائة من إجمالي المقاعد، أي ما نسبته 1861 مقعداً، في حين حصلت الفئة (46 - 60 عاماً) على 2140 مقعداً، أي ما نسبته 29.45 في المائة فقط من إجمالي المقاعد. أمّا الفئة العمرية التي تخطّت الستين، فقد حصلت على 520 مقعداً، أي ما نسبته 7.23 في المائة.

وفي نظرة إلى تلك الأرقام مجتمعة، فإنّه من السهل الاستنتاج أنّ هرم السلطة في تونس آخذ في التغيّر تدريجياً، عبر استبعاد سلس لفئة الشيوخ الذين تجاوزوا الستين من عمرهم، فحصدوا أقلّ من ثمانية في المائة من الأصوات. يُذكر أنّ واحداً من أكبر المآخذ على تفاصيل ما بعد الثورة التونسية هو سيطرة الشيوخ على السلطة الجديدة التي كانت نتيجة لثورة الشباب، على الرغم من محاولات عدّة لاستدراك النقص من خلال منح بعد المواقع الوزارية والإدارية على سبيل المثال لمسؤولين شباب، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد مثال.

ناخبة في انتخابات تونس المحلية 2018 (فرانس برس)













لكنّ تلك الأرقام المتفائلة لا تعكس حقيقة انخراط الشباب في هذه الانتخابات وفي الشأن العام بالمطلق. فعملية استبيان أعدّتها مؤسسة "سيغما كونساي" بالتعاون مع جريدة "المغرب" حول الانتخابات البلدية الأخيرة ونتائجها، بيّنت أنّه مع ارتفاع مستوى التعليم انخفضت نسب التصويت لكلّ من "حركة النهضة" و"حركة نداء تونس"، في حين ارتفعت نسب التصويت للقوائم المستقلة ولـ"حزب التيار الديمقراطي" و"الجبهة الشعبية". وجرى تصنيف الاقتراع كالآتي: "الشباب للمستقلين والكهول للنهضة والشيوخ للنداء".

وأوضحت عملية الاستبيان نفسها أنّ ثمّة توجهاً لدى الشباب إلى التصويت للقوائم المستقلة، إذ صوّت 39 في المائة لها من فئة (18 - 29 عاماً)، بينما لم يصوّتوا للنهضة إلا بنسبة 22 في المائة. أمّا الكهول (45 - 59 عاماً) فهم الذين صوّتوا بكثافة للنهضة بنسبة 34 في المائة، بينما لم يحقق النداء أفضل نتائجه إلا لدى الفئة التي تخطت ستين عاماً. إلى ذلك، فإنّ تصويت أصحاب المستوى التعليمي العالي ذهب بنسبة 35 في المائة إلى القوائم المستقلة و24 في المائة إلى النهضة و18 في المائة إلى النداء وستة في المائة إلى التيار الديمقراطي وخمسة في المائة إلى الجبهة.

وتؤكد هذه الأرقام بوضوح أنّ معظم أصوات الفئة الشابة عموماً والمتعلمة خصوصاً، ذهب إلى القوائم المستقلة، وهو ما يعكس رغبة كبيرة في البحث عن إدارة جديدة للحكم، وربّما بديل سياسي للمنظومة كلّها، على الرغم من أنّ القوائم المستقلة في الواقع ليست كلها مستقلة. فبعضها حزبيّ بالكامل أو مدعوم من أحزاب وشخصيات حزبية، لكنّها تتخفى بالاستقلالية لعلمها بالنفور الشبابي من الأحزاب ومن الشأن العام عموماً. ومهما كان الأمر، فإنّ الفئة الشابة خصوصاً عبّرت عن رأيها بوضوح وصراحة، وهو ما يستدعي مراجعة عميقة للهرم وللبناء الحزبي التونسي ومدى مشاركة الشباب والنساء في اتخاذ القرار داخل المنظومة الحزبية عموماً. وقد شهدت أحزاب كثيرة تشظياً وتفتتاً بسبب غياب النفس الديمقراطي في داخل تلك الهياكل وسيطرة رؤسائها عليها واستبعاد الشباب والنساء من أيّ قرار.




وتبقى الرسالة الأبرز عدم توجّه أكثر من ثلثَي الناخبين إلى صناديق الاقتراع، إذ اقتصرت المشاركة على 35 في المائة من الناخبين، ما يعني أنّ المزاج الشعبي والاجتماعي التونسي غير راضٍ عن أوضاعه الاجتماعية التي ثار من أجلها وهو ينتظر تغييرها أو سوف يبحث عن تغييرها في موعد قريب جداً... في عام 2019.
المساهمون