شباب الموصل نعمة ونقمة

12 يونيو 2019
+ الخط -
من بين ركام المنازل وبقايا الأجساد التي أنهكتها الحرب برزت ثلة خيرة من الشباب ليداووا جروحاً تركتها تلك الحرب تنزف بلا علاج، عهداً صنعوه بينهم ألا تغفوا أعينهم على جانبي الوسادة إلا وقد أدوا أدوارهم الحقيقية التي خطوها بأيديهم، تلك الأدوار التي أفضت وما زالت تفضي بإنجازات أوصلتهم إلى مراتب الرضى النفسي والمجتمعي بين أقرانهم هذه الأيام.

شباب ضحوا بما يزيد على السنة ونصف السنة بأيامها ولياليها ليتركوا بصمة الإحسان وراءهم، صانعين رسالة مفادها بأن الموصل لا تموت حتى وإن جثت الحرب الضروس على صدرها، حتى وإن اقتلعت نيران القنابل بصيص الحياة من أجساد أهلها، حتى وإن أصرّ الأعداء على امتصاص رحيق ورودها.


كل من أجاد قراءة فواصل الزمان على علم تام أن الموصل مرّت بشقيها الأيمن والأيسر في سالف الأيام بظروف قصمت ظهور أبنائها وشتتت أفكار من كان يحلم بإكمال اللوحة التي استساغ رسمها في مخيلته عن مدينة الربيع، مدينة الملا عثمان الموصلي، مدينة الأنبياء والأولياء والأوصياء، مدينة إلياس الموصلي وحسين باشا الجليلي، مدينة الورد والياسمين، تلك المدينة التي لم تنس جدران أزقتها عبق التاريخ الذي نقشته أخاديد الأيام كأحفورات تتناقلها الأجيال.

إلى هُنا وصلنا إلى إنصاف النصف الأول من شباب تلك المدينة التي أمست اليوم صماء جرداء عرجاء، نصف أدّى واجبه ليزيحه النصف الثاني!.. ذاك النصف الذي ارتضى أن يكون أصغر جزء داخل لعبة الأيام يتمتّع بخاصية التحكم اليدوي تتلاقفه الأيادي بين الميسرة والميمنة، تارة تجدهم مطبلين مناصرين مشاركين بنصب وإقامة دعائم دولة حاولت أن تقوم على أرض الموصل على جثث وجماجم أهلها، وتارة تجدهم يتظاهرون بالعِفة والطهارة ليستقروا الآن بأحضان أحزاب جاءت من بعيد لتزرع بذور نفوذها بتربة الموصل التي سبق أن ارتوت بدماء أبنائها ودماء من قاتل بجد واجتهاد لتخليصها من بين مخالب المتشددين الذين ما تركوا أرضاً معمورة إلا وسلبوها عذريتها.

نعم هكذا تسير بوصلة الشباب في الموصل ويسير معها المقلدون والأتباع وأتباع الأتباع ليكونوا قطاراً بشرياً يسير على سكة مجهولة الاتجاه والنهاية.
B76ECAD3-336E-4028-99B2-03EE1A3E1302
شهاب أغا الصفار

مدون وباحث في مجال الجماعات المتطرفة.