12 يونيو 2019
الموصل ومطرقة شبابها
ثلاث سنوات بأيامها ولياليها استمر احتلال "داعش" الإرهابي لمدينة الموصل مركز محافظة نينوى، ثلاث سنين عجاف خلفت وراءها مدينة شبه ميتة لا تملك زمام أمورها وتقف عاجزة في وجه من يحاول اغتصابها بحجة تمثيلها سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً..
تارة تجدها تميل على ميمنتها، فتبكي حالها ولا تصحو من حزنها إلا بصفعة قوية تسيل بفعلها الدماء، وتارة تميل على الميسرة فتحايلها العنزة الجرباء، نعم تلك العنزة التي بقيت مربوطة بشوارع وأزقة وأحياء ميسرة المدينة لسنين طوال سبقت ضياعها، لتأكل وتشرب وتسرق وتقتل وتستبيح دماء حسبتها رخيصة، لا تتجاوز تكلفة إقصائها ثمن رصاصة يطلقها عميل باع دينه ودنياه وعقيدة أجداده الأولين.
تمر الأيام ويقدر للموصل أن تخرج من صومعة احتلال المتشددين لها، احتلال زاد على الثلاث أعلاه، تسع سنين بدعوة سرية تحضيرية تغاضى عنها الجميع وكأنهم تسابقوا لدعم تلك التنظيمات على رص صفوفها ودك أعمدة "دولتها" منذ البداية بتفويض بعض المتملقين من المحسوبين على أهلها، خرجت لتستنشق عبير ورودها من جديد لتلم ركامها وتبني به جديد حضارتها التي أُزيلت بفعل فاعل، خرجت لتربت على أكتاف أبنائها الذين خسروا كل شيء بعد أن امتصت السنون العجاف رحيق أعمارهم وذراريهم، ولكن هيهات منهم أن يتركوها.
مر أكثر من عام ونصف العام على اكتمال تحريرها، عام ونصف من التخبط والنكسات والدماء، ما إن تنهض من نكبة إلا ألحقوها بأقوى منها ليبقوا أهلها جاثمين على رؤوسهم ضمن إطار الإغماء المتعمد الذي أمسى حالها كحال التنويم المغناطيسي، صنعوا المفخخات من جديد وشقوا بشظاياها أجساد أطفال الموصل، يرهبونهم تارة ويسكتونهم بتعمد تارة أخرى، يخرِسون، إما بالإقصاء أو بالتكميم، الأصوات التي تنادي بغير ما أرادوه لهذه المدينة، متجاهلين إمكانية خلق أجيال جديدة جلودها كالألماس لا تؤثر فيها عوامل تعريتهم أبداً.
من بين كل هذا بدأت ملامح الاستغلال والضحك على الذقون تظهر شيئاً فشيئاً على وجوه بعض من ظن أن بإمكانه الاستمرار بمسرحية اختلاق المثاليات والأزمات من بنات أفكاره بتوجيه أسياده، تارة تجده ناشطا نشيطا ينشط لحال أهله، وتارة منافقاً بائعاً لضميره بفتات الدراهم على حساب أهله، نعم هم أنفسهم من أعطوا التشريع لتنظيم الرعاع إبان حكمهم للمدينة، وهم أنفسهم من تجدهم يتفاخرون بصلات تقربهم من بعض المتنفذين أمنيا..
ضحكوا على شباب تلك المدينة واستغلوا شرارة انطلقت بعفوية لتطالب بمحاربة الفساد واسترداد حقوق أهلها المظلومين، بعد فاجعة العبارة التي أهلكت نسلهم وتركت على ضمائرهم ندباً لن تمحوها عوامل تعرية الأزمنة على تعاقبها، لم يكتفوا إلى هذا الحد، بل حاولوا ضم هؤلاء الشباب لتنسيقيات وتجمعات مشبوهة تحت ظل السياسيين، ليكونوا ورقة ضغط على الرأي العام الموصلي، فيما لو أرادوا تحريكهم مرغمين أو بإرادتهم.