شباب العراق يتابعون الشأن السياسي

01 مارس 2020
من تظاهرات العراق (أسعد نيازي/ فرانس برس)
+ الخط -

الأسباب التي دفعت الشباب العراقيين للنزول إلى الشارع هي نفسها التي دفعتهم إلى أن يصيروا أكثر اهتماماً بالشأن السياسي. هدفهم اليوم تحقيق مطالبهم والنضال من أجل حقوقهم، لكنهم لم يكونوا كذلك

أظهرت التظاهرات التي يشهدها العراق منذ أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي اهتماماً بالسياسة لدى الشباب والمراهقين. وصاروا معنيين أكثر بمتابعة الشؤون السياسية لمعرفة التوجهات السياسية والحزبية، الأمر الذي لم يكن يثير اهتماماتهم من قبل. هذا ما يقوله أهالي شبان ومراهقين كان أبناؤهم يهتمون بمتابعة شؤون أخرى بعيداً عن السياسة، كالفرق الرياضية والاستماع إلى الأغنيات والانشغال بالألعاب الإلكترونية ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا التحول جعل الأهل أكثر اهتماماً بمتابعة تفاصيل دقيقة تتعلق بسير التظاهرات والتعرف على ما يطرحه المتظاهرون وردود الفعل المتبادلة بينهم وبين الجهات السياسية، كما يؤكد البعض لـ"العربي الجديد"، من بينهم سليمان السعيدي. ويقول إنّه صار يستمع إلى آراء المتظاهرين، ويتابع حسابات البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، ليفهم التحول الذي طرأ على أبنائه وبناته.




ويوضح أن ولديه (20 و13 عاماً)، وبناته الثلاث (18 و17 و15 عاماً)، باتوا يتمتعون بثقافة سياسية "لا يمكن تجاهلها، كما أنها تثير إعجابي"، مؤكداً أنه أصبح يحرص كثيراً على أن يستمع إليهم ويحاورهم في المواضيع السياسية التي تطرأ على الساحة في البلاد. ويقول: "لم يكن لديهم اهتمام بالسياسة قبل ثورة تشرين (تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي). وكان اهتمام أولادي ينصب على متابعة مباريات كرة القدم، وكانوا متعصبين لفرق رياضية عالمية، علماً أن جل اهتمام بناتي كان متابعة الأزياء والمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي".

يشار إلى أنه كان للتظاهرات المستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر تأثير كبير في الشارع العراقي، فضلاً عن تأثيراتها الكبيرة على الواقع السياسي والحكومة في البلاد. فقد أجبر المتظاهرون رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على تقديم استقالته، كما لم تنجح القوات الأمنية في إنهاء التظاهرات على الرغم من اعتماد القمع بشكل غير مسبوق من خلال استخدام الرصاص الحي، ما تسبب في مقتل أكثر من 650 متظاهراً وإصابة نحو 26 ألفاً آخرين.

وكسب المتظاهرون بصمودهم الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، وكان لمشاركة الفتيات بشكل فاعل وتقديمهن الدعم الخدماتي والطبي أثر كبير في كسب تعاطف محلي تسبب في زيادة زخم التظاهرات ودعمها. ويقول نجيب الواسطي إنه يصمت لفترة طويلة وهو يستمع إلى حديث ابنته الطالبة الجامعية التي تواصل مشاركتها في التظاهرات، وقد تعرضت أكثر من مرة للإغماء بسبب تنشقها الغازات المسيلة للدموع التي تطلقها القوات الأمنية في محاولة لقمع التظاهرات.

ويقول نجيب إنه ما زال يعيش صدمة بسبب تغيّر طريقة تفكير ابنته وطرح آرائها وانتقاداتها للعملية السياسية في البلاد، مضيفاً أنها "تتحدث عن الانتخابات وطريقة توزيع المقاعد النيابية التي تعتمدها الكتل السياسية بشكل تعتبره سرقة لأصوات العراقيين، وتبهرني بمعلومات غزيرة حول الأحزاب الحاكمة والشخصيات السياسية التي تدير البلاد والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي".

يتابع: "ليس هذا فقط، بل إنها تتحدث عن حلول علمية وخطط قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى للنهوض بالبلاد، وتستشهد بنظريات اقتصادية وسياسية وآراء سياسيين أجانب وكتاب ومحللين". ويسأل: "أنا المتابع الجيد للشأن السياسي المحلي والإقليمي والدولي لا أستطيع في كثير من الأحيان مجاراة ابنتي التي ما زالت في المرحلة الثانية من الدراسة الجامعية، ولم تكن من قبل تهتم بالسياسة بل تنزعج منها، وكانت جل اهتماماتها تنصب في متابعة المسلسلات عبر الشاشات الفضائية".

ولا يتحدث الآباء فقط عن تغيّر يعتبرونه إيجابياً في سلوك أبنائهم، وقد أصبحوا أكثر اهتماماً بشؤون وطنهم. تقول ابتسام الفراتي، وهي موظفة في وزارة التربية والتعليم، إنها تتوجه باستمرار إلى ساحة التظاهر لأن أبناءها وأبناء أقربائها يشاركون في هذه التظاهرات.

تضيف: "اهتمام أبنائنا وبناتنا بالتظاهرات ومشاركتهم فيها وحديثهم ونقاشاتهم المستمرة حول الواقع السياسي أثر كثيراً فينا. أتحدث عن أقاربي وجيراني أيضاً. بالنسبة إلي، لم أكن من المهتمين بالسياسة، بل إنني لم أشارك في الانتخابات التي جرت في البلاد. لكنني اليوم، وبسبب أبنائي الصغار (16 و15 و13 عاماً)، أصبحت أطلع على الواقع السياسي". وتقول: "المثير للدهشة أن ولدي وابنتاي لم تكن لديهم اهتمامات سياسية أيضاً. كان جل ما يستحوذ على اهتمامهم هو الألعاب الإلكترونية عبر الهاتف أو جهاز الكمبيوتر".

بدوره، يقول الكاتب والمحلّل السياسي نظير الكندوري، إن "حالة ازدياد الوعي لدى فئة الشباب العراقي واحدة من أبرز معالم انتفاضة تشرين الحالية، التي تجلت لدى جميع المراقبين للأوضاع الجارية في العراق". يضيف لـ"العربي الجديد"، أن "حالة الوعي المتنامية لدى الشباب العراقي، التي أدعوها بالصحوة الشبابية، لم تأت من فراغ، وإنما كانت حصيلة عوامل عدة".

ويتحدّث عن إحصائيات أعلنت عنها مؤسسات رسمية تفيد بأن نسبة السكان المسنين في العراق لا تتجاوز 3 في المائة، وهذا "يعني أن المجتمع العراقي يُعد من المجتمعات الفتية. إلا أن نسبة البطالة ترتفع بين الشباب وتصل إلى 30 في المائة بحسب الأرقام الرسمية، وتتحدث منظمات دولية وأخرى غير حكومية عن نسبة أكبر، ما يجعل الشباب أكثر اطلاعاً على المواضيع السياسية". ويشير إلى أن اطلاع الشباب عبر الإنترنت على البلدان المتحضرة وعمليات البناء والرقي الحضاري الذي تعيشه "أثَّر على تفكيرهم، وجعلهم يتوقون للعيش في مجتمعات مشابهة لتلك المجتمعات".




ويذكر أن "الشباب الذين لم يشهدوا على فترة الحرب الطائفية (2005 ـ 2009)، لم يعد يقنعهم الخطاب الطائفي وعمليات التخويف بين مختلف الطوائف، حين يرون أحزاب السلطة غارقة بفسادها فيما البلد غارق في الفقر".
المساهمون