ستة قرون تفصل بين شاه نقشبند، المتصوّف السائح في بلاد الله، وواحد من أبناء طريقته الذي سار على نهجه، وعُرف بحلاوة صوته؛ الشيخ سيد محمد النقشبندي (1920 -1976)، الذي تمر اليوم 39 سنة على رحيله، بعد أن نقش صوته في قلوب السالكين والسميعة.
في طفولته، انتقل من محافظة الدقلهية إلى مدينة طهطا في صعيد مصر، حيث تربّى في واحة من واحات السالكين، فوجد نفسه يصدح بالتراتيل والأناشيد. لم يكن قد أكمل الخامسة عشرة بعد حين وجد طريق التقرّب إلى الله بهذا اللون من الإنشاد؛ حتى قاله له شيخه: "بصوتك سيعرف الناس الله".
في منتصف الخمسينيات، وكان قد بلغ عامه الخامس والثلاثين، رأى الإمام البدوي في المنام يدعوه ليكون إلى جواره؛ فإذ به في اليوم التالي يشدّ الرحال إلى طنطا حيث يقيم شيخه. هناك، في المسجد الكبير، بدأ صوته يجذب مريدي الإمام، واتّسع صيته من الدلتا حتى القاهرة.
عشرة أعوام قضاها النقشبندي في رحاب مسجد البدوي، لا يكاد يفارقه حتى أتته الدعوة من مسجد الحسين، حيث لم يتوانَ عن تلبية النداء؛ فذهب لإحياء المولد عام 1966، واستمع إليه المذيع الشهير آنذاك، أحمد فراج.
ذهب هذا الأخير إلى الشيخ سيد، وقال له: "أنا سمعت عنك كثيراً، لكن أن أسمعك أمر مختلف عن أن أسمع عنك". واتفق معه على تسجيل بعض الابتهالات لإذاعة القرآن حديثة الظهور. فسجل معه ابتهالاتٍ لبرنامج "في رحاب الله"، إلى جانب تسجيله أدعية دينية لبرنامج "دعاء" الذي كان يذاع يومياً عقب أذان المغرب، كما اشترك في حلقات البرنامج التلفزيوني "في نور الأسماء الحسنى"، وسجل برنامج "الباحث عن الحقيقة"، الذي يحكي قصة الصحابي سلمان الفارسي.
وكما وصل صوت النقشبندي إلى قلوب الناس، أحبّه رئيس مجلس الأمة المصري - حينها - محمد أنور السادات، فلم يترك مناسبة دينية يحضرها في قريته ميت أبو الكوم إلا وكان الشيخ سيد حاضراً.
غير أن علاقته بالسادات أخدت منحى آخر في مسيرته. ففي خطبة ابنة السادات عام 1972، وبحضور مجموعة من مثقفي وفناني مصر، ذهب السادات إلى بليغ حمدي ليسلّم عليه وهمس في أذنه: "نفسي أسمعك مع النقشبندي"، وكلف الإعلامي وجدي الحكيم بأن يجمعهما في أستوديو واحد.
ارتبك الحكيم من اللقاء الغريب، خصوصاً وأن النقشبندي كان رجلاً متصوفاً زاهداً، غير مكترثٍ لبهرجة الشهرة. وخلافاً لمجايليه من المنشدين، وافق النقشبندى مُحرجاً، وتحدّث مع الحكيم بعدها: "ما ينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة.. على آخر الزمن يا وجدي هغنّي؟".
في حوار إذاعي معه، أكمل الحكيم القصة: "اتفقنا أن أدخل عليهما بعد نصف ساعة، فإذا وجدت النقشبندي خلع عمامته؛ فهذا يعنى أنه أُعجب بألحان بليغ، وإن وجدته ما زال يرتديها؛ فيعني ذلك أنها لم تعجبه، فأتحجج بأن هناك عطلاً في الأستوديو لأنهي اللقاء ونفكّر بعدها في كيفية الاعتذار لبليغ".
ضحك الحكيم وهو يستعيد المشهد: "دخلت، فإذا بالنقشبندي قد خلع العمامة والجبة والقفطان. وقال لي: يا وجدى بليغ ده جن".
في هذا اللقاء، انتهى بليغ من تلحين "مولاي إني ببابك" التي كتب كلماتها الشاعر المتصوف عبد الفتاح مصطفى، وتعاون الثلاثي النقشبندي ومصطفى وبليغ في عدة ابتهالات، أبزرها "أشرق المعصوم" و"أقول أمتي" و"أي سلوى وعزاء" و"أنغام الروح" و"رباه يا من أناجي".