دعا المتحدث باسم مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان روبرت كولفيل، في كلمة له يوم أمس الجمعة، إلى فتح تحقيق محايد ومستقل وشامل وشفاف في الأسباب التي أدت إلى حصول انفجار مرفأ بيروت، معتبراً أنّ هذه المأساة يجب أن تشكّل نقطة تحوّل لقادة البلاد، ليتغلّبوا على الجمود السياسي ويعالجوا المظالم التي يعانيها الشعب، والتي عبّر عنها للمرة الأولى خلال تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وفي ظلّ فقدان قسم كبير من الشعب اللبناني الثقة بالتحقيق المحلي، انقسمت الساحة السياسية الداخلية بين من يدعو إلى ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية، أبرزهم رؤساء الحكومات السابقون وأحزاب ما يُعرف بـ"فريق الرابع عشر من آذار"، وبين من يتمسّك بالتحقيق المحلي وهم الحكومة وأفرقاء "الثامن من آذار". وقال الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس الجمعة، في دردشة مع الإعلاميين، إن المطالبة بالتحقيق الدولي الهدف منها تضييع الحقيقة، والعدالة المتأخرة ليست بعدالة.
ويعيد هذا المشهد إلى الذاكرة الانقسام نفسه الذي حصل مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005، وسط تلميحات صدرت عن عددٍ من الوزراء بالاستقالة في حال لم يظهر أي تقدّم على مستوى التحقيقات والتوقيفات، إلى جانب دعوة البعض إلى تحقيق محلي مدعوم بخبراء دوليين.
وتطرق الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي بدأ زيارة إلى لبنان اليوم السبت، إلى موضوع لجنة التحقيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، عارضاً أن تساهم الجامعة العربية باختيار شخصيات عربية للمشاركة والمساعدة في هذا الصدد.
ويقول المحامي والخبير القانوني سعيد مالك لـ"العربي الجديد" إنّ كل لجنة تحقيق يجب أن تكون مستقلة، لكن الفرق بين لجنة التحقيق المحلية وتلك الدولية هو أنّ الأولى تكون إما إدارية، كالتي شكلت من قبل مجلس الوزراء، أو قضائية حيث يتولى القضاء التحقيق بمجريات وأسباب ما حصل، أو برلمانية تشكل من مجلس النواب بهيئته العامة. أما لجنة التحقيق الدولية فهذه الصلاحية تعود إلى مجلس الأمن الدولي عملاً بأحكام المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945، ويتم الأمر إما بطلب الدولة المعنية أي اللبنانية، وهذا مستبعدٌ في حالتنا، أو بواسطة إحدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن الخمس عشرة، وقد تأخذ مصر، وهي ممثل لجامعة الدول العربية في مجلس الأمن، المبادرة على عاتقها، وعندها يتخذ مجلس الأمن قراراً بتشكيل لجنة تحقيق دولية.
ومن السيناريوهات التي يمكن اللجوء إليها، وتحدثت عنها وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم، الاستعانة بخبراء دوليين تقنيين للمساعدة في كشف الحقيقة، وهنا يقول المحامي مالك إنّنا نكون في هذه الحالة أمام لجنة تحقيق بإدارة محلية لكن بمعونة خبراء دوليين، يُصار إلى الاستعانة بهم ضمن إطار طلب يُقدّم من جانب الدولة اللبنانية إلى الأمم المتحدة، من أجل تكليف من يلزم من الخبراء المختصين لمؤازرة ومساعدة لجنة التحقيق المحلية.
تبعاً لذلك، يشدد المحامي والخبير القانوني سعيد مالك لـ"العربي الجديد" على أنّ الخيار الأنسب يكمن في تشكيل لجنة تحقيق دولية، باعتبار أن لا ثقة على الإطلاق باللجنة المحلية لأن النتيجة ستخلص الى معاقبة مديرين عامين أو أمنيين، ومسار التحقيق حتى اليوم، وقد شارفت مهلته على الانتهاء، غير مرضٍ ويقتصر على توقيف أشخاص ليسوا إلا موظفين أو خفراء أو عمال تنظيفات، وهذا الأمر مؤسف والموضوع أبعد من ذلك بكثير.
أوقف القضاء اللبناني حتى الساعة مدير عام الجمارك بدري ضاهر، والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي ومدير مرفأ بيروت حسن قريطم وآخرين، وأبقاهم رهن التحقيق بناءً على إشارة القضاء المختص
ويلفت الناشط في المجتمع المدني والمحامي رفيق غريزي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ لا ثقة بالتحقيق المحلي، وبالأجهزة الأمنية اللبنانية والقضاء اللبناني، وبأن هذه الجهات ستوصلنا إلى حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت، ولا سيما أن القضاء العسكري هو قضاء استثنائي، وصدرت دعوات كثيرة من أجل إلغائه في النظام اللبناني كونه مشوباً بعيوب كثيرة.
ويرى غريزي أنه أمام رفض التحقيق المحلي، وخصوصاً من الشعب اللبناني، الذي ينزل إلى الشارع اليوم لتشييع ضحايا الانفجار وإعلان عدم ثقته بالحكومة والسلطة ولجنة التحقيق المحلية، يجب اللجوء إلى التحقيق الدولي كما حصل إثر اغتيال الحريري، إذ تم تقديم طلب تعيين لجنة تحقيق دولية بقرار من الأمم المتحدة، وتبعها تشكيل محكمة خاصة بلبنان كان من المفترض أن تنطق بالحكم يوم أمس الجمعة قبل إرجائه إلى 18 أغسطس/ آب بعد حصول الانفجار.
ويشدد غريزي على أنّ اللجنة المستقلة هي توصيف وليست تصنيفاً، فمن خصائص أي لجنة تحقيق، سواء محلية أو دولية، أن تكون حيادية ومستقلة، ولكن يُقصد بها في الحالة الراهنة أن تكون لجنة تحقيق محلية مستقلة معينة من خارج الأجهزة الأمنية بقرار خاص، وبعد تحليف أعضائها اليمين.
وخلّف الانفجار أكثر من 150 قتيلاً ونحو 5000 جريح ومئات المفقودين والمشرّدين في محصلة غير نهائية، ودمّر أكثر من نصف مساحة العاصمة اللبنانية التي لم تعد صالحة للسكن، بحسب ما قال محافظ بيروت القاضي مروان عبود لـ"العربي الجديد"، بالإضافة إلى خسائر مادية تفوق عشرة مليارات دولار، والرقم مرجح يومياً للارتفاع مع استكمال أعمال مسح الأضرار.
وشكّل مجلس الوزراء اللبناني لجنة تحقيق محلية بالانفجار برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب وعضوية وزراء وأمنيين وعسكريين، مهمتها إدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة، ورفع تقرير إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام بدأت الأربعاء الماضي. ويعقد مجلس الوزراء جلسة يوم الاثنين المقبل، في قصر بعبدا، برئاسة الرئيس ميشال عون لمتابعة البحث في مستجدات وتطورات الأوضاع الناتجة عن كارثة الانفجار في مرفأ بيروت، وقد أوقف القضاء اللبناني حتى الساعة المدير العام للجمارك بدري ضاهر، والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي ومدير مرفأ بيروت حسن قريطم وآخرين، وأبقاهم رهن التحقيق بناءً على إشارة القضاء المختص.