وتوضح النخب الإسرائيلية أنّ المستوى العالي للقيادات المستهدفة يفاقم فقط من وطأة الضغوط على قيادة الحزب للإسراع في الانتقام. ولا يغفل المعلقون الصهاينة الإشارة إلى أنه على الرغم من عدم إعلان إسرائيل المسؤولية عن الاغتيال، إلا أنّ تل أبيب تركت كل الدلائل التي تؤكد مسؤوليتها عنها، من خلال استخدام مروحية عسكرية في وضح النهار في تنفيذ العملية.
ويشير معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، إلى أن إسرائيل لم تحرص على إخفاء مسؤوليتها، كما حدث عندما قامت باغتيال قائد الذراع العسكرية لحزب الله، عماد مغنية، في دمشق، واغتيال المسؤول عن تصنيع الوسائل القتالية في الحزب، حسّان اللقيس، قبل عام في بيروت. وهما العمليتان اللتان نُسبتا لجهاز "الموساد".
وتلفت النخب الإسرائيلية إلى أن حرص حزب الله على الإعلان، عبر وسائل إعلامه الخاصة، عن وقوع عملية الاغتيال والكشف عن هوية المستهدفين يمثّل في حد ذاته التزاماً أمام قواعده والرأي العام العربي واللبناني بأنه سيرد. لكن المعلقين العسكريين في إسرائيل، الذين يجمعون على حتمية رد حزب الله، يختلفون في المقابل حول طابع هذا الرد وحجمه ومكانه وتوقيته.
المعلق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، يرى أن حزب الله سيصمم رده بحيث لا يفضي إلى تفجر مواجهة شاملة مع إسرائيل بسبب انشغاله في القتال إلى جانب النظام السوري، فضلاً عن تواجد عدد من كبار قادته في العراق حيث يعملون كمستشارين للقوات الموالية لإيران التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية".
وفي تحليل نشره موقع الصحيفة، يوم الإثنين، يرجّح ليمور أن يلجأ الحزب إلى تنفيذ عملية محدودة في "مزارع شبعا" التي يرى أن من حقه تنفيذ عمليات فيها ضد القوات الإسرائيلية على اعتبار أنها منطقة محتلة. ولا يستبعد ليمور أيضاً أن يطلق الحزب صواريخ على شمال إسرائيل بشكل محدود، أو أن ينفذ عملية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج.
لكن المعلق العسكري ألون بن دافيد، يستبعد كثيراً لجوء حزب الله إلى تنفيذ عمليات ضد أهداف يهودية أو إسرائيلية في الخارج، على اعتبار أن العالم لن يبدي تفهماً لمثل هذه العمليات. وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، ينوه بن دافيد إلى أن حزب الله يخشى أن يفضي تنفيذه عمليات ضد أهداف إسرائيلية أو يهودية في الخارج إلى وضعه في قائمة واحدة مع تنظيم "داعش" و"القاعدة"، خصوصاً بعد عمليات باريس الأخيرة. ويرى بن دافيد أنه على الرغم من أن حزب الله غير معني بتفجر مواجهة كبيرة مع إسرائيل، إلا أنه سيحرص على أن يفضي رده الانتقامي إلى خسائر "جدية" في الأرواح.
ويعتبر بن دافيد أن أكثر السيناريوهات واقعية تتمثل في قيام حزب الله بتنفيذ عمليات انطلاقاً من هضبة الجولان، سواءً من خلال إطلاق الصواريخ أو عبر زرع عبوات ناسفة. وينقل بن دافيد عن مصادر عسكرية إسرائيلية تخوفها من أن يقوم مقاتلو الحزب المتواجدون في الجولان بإطلاق عدد كبير من الصواريخ على مستوطنة أو مدينة إسرائيلية كبيرة في شمال إسرائيل.
ويشدد بن دافيد على أن "ميزة" الانطلاق من الجولان، في تنفيذ عمليات ضد إسرائيل بالنسبة لحزب الله، تتمثل في أنها تنزع من الاحتلال المسوغات للرد على الحزب داخل لبنان. وفي السياق نفسه، يرى كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، رون بن يشاي، أنه ليس من الوارد لدى حزب الله استخدام ترسانته الضخمة من الصواريخ في المواجهة الحالية، على اعتبار أن استخدام هذه الترسانة معدّ فقط عندما تقدم إسرائيل على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
وفي تحليل نشره موقع الصحيفة، أوضح بن يشاي أن أوساط التقدير الاستراتيجي في إسرائيل مطمئنة إلى أن الإيرانيين لن يسمحوا باستخدام هذه الترسانة إلا بعد تلاشي مخاطر قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآتهم العسكرية. لكن عدداً من المعلقين في إسرائيل، بات يشكك في دوافع القيادة السياسية التي أعطت التعليمات لتنفيذ الهجوم.
وفي مقال نشره في "معاريف"، يحذر المعلق بن كاسبيت من أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو، ووزير حربه موشيه ياعلون، قد هدفا إلى تحسين مكانتهما عشية الانتخابات المقبلة"، متمنياً "ألا يندما على إصدار هذه التعليمات". وفيما يبدو كلائحة دفاع مسبقة، شرعت أوساط سياسية مقربة من ديوان نتنياهو وياعلون في تسريب معلومات تضفي شرعية على تنفيذ الاغتيال. فقد نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة عن هذه الأوساط قولها إن أبو علي الطبطبائي، مسؤول وحدة "التدخل" في حزب الله، الذي يرجح أن يكون قد قتل في الهجوم، هو المكلف بإعداد حزب الله للمواجهة المقبلة مع إسرائيل وأنه وضع خطة لاحتلال مناطق شمال إسرائيل. كما زعمت هذه الأوساط أن جهاد مغنية، الذي قتل أيضاً في الهجوم، كان مسؤولاً عن إعداد هضبة الجولان لتكون نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.