سيناريوهات إسرائيلية

03 اغسطس 2014
+ الخط -

تبدو إسرائيل غارقة حتى آذانها في مستنقع من الرمال المتحركة، اسمه غزة، بعد أن تجاوزت العملية العسكرية مسمياتها الوردية التي وضعتها لها، وباتت قريبة من اسم الحرب بكل معنى الكلمة، والعدوان الممنهج، بحسب التوصيف السائد.

وقد كشفت صحيفة هآرتس، على موقعها الإلكتروني، أن تكلفة العملية العسكرية العدوانية، "الجرف الصامد"، والمستمرة في قطاع غزة، بلغت نحو سبعة مليارات شيكل إسرائيلي، أي ما يعادل 1.7 مليار دولار. وذكرت أن هذه التكلفة تشمل خسائر قطاعات مدنية، إضافة إلى التكاليف العسكرية المباشرة ووسائلها القتالية، مثل الطيران والمدرعات والجنود والوقود والذخائر. وأوضحت الصحيفة أن هذه المبالغ هي تقديرات مسؤولين حكوميين مطلعين.

ووفقاً لهذه الأرقام، فإن تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة فاقت تكلفة عملية "الرصاص المصبوب" التي شنها الاحتلال بين عامي 2008 و2009، وقدرت، في حينه، بنحو 1.3 مليار دولار.

تشمل الخسائر في القطاعين، المدني والخاص، تعطل مصانع في الجنوب عن العمل، بالإضافة إلى الخسائر في القطاع السياحي، ناهيك عن تعطل العمل في أثناء القصف على المدن الكبيرة، مثل تل أبيب وحيفا والقدس، وما ينجم عن ذلك من إطلاق صافرات الإنذار بين فينة وأخرى. ويدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على وسائل الإعلام أنه لن يتخلى عن الخيار الديبلوماسي.

وبناء على ذلك، أرسل وفداً إسرائيلياً برئاسة رئيس الشاباك، يورام كوهين، في محاولة لتحقيق اختراق في الاتصالات السياسية العالقة، بشأن التوصل إلى اتفاق تهدئة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وأعضاء الحكومة في المجلس الوزاري المصغر، أصدروا أوامرهم للجيش من أجل مواصلة الهجوم بشدة، ضد أهداف لحركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية، وإنهاء عملية تعطيل الأنفاق.

تتعامل إسرائيل مع الوضع القائم في قطاع غزة على نحوين متوازيين، عسكري وسياسي، في حين يميل كل من نتنياهو ويعالون إلى مواصلة العمليات بشكل محدود، من دون التوغل داخل قطاع غزة، ولا حتى الذهاب إلى خيار احتلال القطاع، بل يفضلان الانطواء نحو الخروج، ولو من دون التوصل إلى اتفاق تهدئة، أي سيكون وقف إطلاق نار من جانب واحد.

الخيارات المطروحة أمام المجلس الوزاري المصغر، بحسب ما أوردتها صحيفة يديعوت أحرونوت، تتضمن مبدئياً الاستجابة لوقف إطلاق النار، على أساس المبادرة المصرية بعد تعديلها، ما يعني لإسرائيل انتهاء العملية العسكرية في قطاع غزة، وسيطرة السلطة الفلسطينية على المعابر كافة، ما يعني تقييد تهريب السلاح والمساعدة في نزع سلاح الفصائل الفلسطينية تدريجياً.

لكن، في المقابل، ترى إسرائيل أن هذا الخيار سيجعل حركة حماس تحظى بشرعية من المجتمع الدولي، وستحصل على ما تريده، كما سيؤدي إلى فتح المعابر وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، ما سيعتبره الفلسطينيون انتصاراً يعزز من قوة حركة حماس.

الخيار الثاني المتاح أمام الحكومة الإسرائيلية هو وقف الجيش إطلاق النار بعد تدمير الأنفاق، ما يعني أن إسرائيل ستصبح الطرف المبادر، ولن تنجر إلى أي ضغط سياسي، أو إملاءات حركة حماس، كما سيسمح للحكومة الإسرائيلية بإيجاد صورة إيجابية للجانب المصري، ومنع حركة حماس من التغني بإنجازها المشرف في الدفاع عن سكان قطاع غزة.

لكن هذه الخطوة ستعتبر خطوة ضعف من الجانب الإسرائيلي، من وجهة نظر بعضهم، وسيتم المساس بقوة الردع الإسرائيلية، لأنها لم تنجح في وقف إطلاق الصواريخ، كما أن حماس ستواصل السيطرة على غزة، ما يؤدي إلى احتمالات استئناف المواجهة في المستقبل.

توسيع العملية البرية خيار آخر مطروح أمام الحكومة الإسرائيلية، وهو يتيح للجيش الإسرائيلي السيطرة على الرقابة والنار في معظم المناطق الحدودية في قطاع غزة، وتقليص المناطق التي يتم منها إطلاق الصواريخ بشكل كبير، وتدمير أنفاق جديدة، وتشديد الضغط على حماس، بيد أن هذا الخيار "الشمشوني" قد يؤدي إلى أن الجنود الإسرائيليين سيكونون أكثر عرضة لهجمات المقاومة الفلسطينية، من مضادات الدبابات ومحاولات الاختطاف والعبوات الناسفة وقذائف الهاون، ما سيؤدي إلى وقوع عدد أكبر من القتلى، وسيلحق أيضاً ضرراً سياسياً كبيراً بحكومة نتنياهو.

حتى خيار إعادة احتلال غزة يظل مطروحاً لدى الحكومة الإسرائيلية، وهو خيار ربما تكون له نتائج إيجابية، من وجهة نظر الاحتلال، تتمثل في أنه سيكون ممكناً تفكيك البنى التحتية لحركة حماس، مرة واحدة وإلى الأبد، وتصفية قيادة الفصائل الفلسطينية المقاومة، وتطهير منظومة الأنفاق، وإسقاط حكم حماس.

لكن آثار هذا الخيار سيعني أن الجيش الإسرائيلي سيدفع ثمناً باهظاً، بمزيد من القتلى والجرحى والمختطفين، خصوصاً في صفوف الجنود الإسرائيليين، ولا سيما وأن مثل تلك الخطوة تحتاج إلى أشهر، وربما أكثر، وستحتاج مليارات الدولارات خلال العملية، وستجبر الجيش الإسرائيلي على المواجهة المباشرة مع سكان غزة، كما أنها ستسهم أكثر بعزل إسرائيل.

هي خيارات متعددة، ترى الحكومة الإسرائيلية أنها مطروحة على طاولة النقاش مع قادة الجيش، لكن الجيش وجنوده وقياداته لا يبدون، هذه المرة، مندفعين للاستمرار بأي عملية عسكرية، كما حدث مرة عام 1967، عندما هدد الجيش الإسرائيلي حكومته بانقلاب عسكري، إذا لم يسمح له بشن عملية عسكرية على سورية ومصر والأردن والضفة الغربية في نكسة حزيران، فهل تتغلب لغة التهدئة، هذه المرة، على حراك السياسة الإسرائيلية، في ظل توسع رقعة المستنقع الذي غاصت في ركابه دولة الاحتلال!

58833448-D554-45B2-8F7D-DCDD63BC35E1
58833448-D554-45B2-8F7D-DCDD63BC35E1
هشام منور (فلسطين)
هشام منور (فلسطين)