هل تفتح "إقالة" هاغل صفحة جديدة؟
جاءت "استقالة" وزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، من منصبه، في خضم الحملة الدولية التي تقودها بلاده ضد ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية"، بمثابة "الصدمة" غير المتوقعة في توقيتها ودلالاتها، في ظل خوف من انعكاسات هذه الاستقالة على سير العمليات العسكرية ضد التنظيم، وعلى مستقبل التحالف الدولي برمته.
أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبوله "استقالة" وزير دفاعه "الجمهوري" في مؤتمر صحافي، أشاد فيه بما قدمه الوزير في فترة عمله، من قرارات وصفها بالاستراتيجية، منها سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، ودوره في تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وقيادة العمليات ضدها.
وقال الرئيس الأميركي، بارك أوباما، في المؤتمر الصحافي، وبجواره وزير الدفاع المستقيل، إن الأخير جاءه، الشهر الماضي، لبحث الفترة الأخيرة من رئاسته، واقترح إنهاء خدمته حينها مع اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي. وفيما وصف أوباما وزيره المستقيل بأنه "كان وزيرًا غير عادي للدفاع"، وغلب على خطابه الطابع العاطفي الوداعي والإشادي، تشير تسريبات إلى أن الوزير هاغل "أقيل" ولم "يستقل"، كما أعلن في المؤتمر الصحفي.
الأسباب التي يمكن عزو الإقالة إليها كثيرة ومتعددة، لكن واحداً من أهمها ما تعهد به وزير الدفاع نفسه من سقف زمني لإدارة العمليات ضد تنظيم الدولة في سورية والعراق، سقف زمني أخذه على نفسه، لإنهاء وجود التنظيم والانتصار عليه "بنفسه"، وهو تاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما يعني أن فشل استراتيجية التحالف قد تحملها الوزير هاغل، بعد أن فاته قطار الموعد المضروب.
ومن الأسباب التي دعت الرئيس الأميركي لإقالة هاغل، أيضاً، معارضته التدخل الأميركي في الملف السوري، تحديداً، ورفضه أي قراراتٍ، من شأنها تعزيز "التورط" الأميركي العسكري، كما سماه هاغل، في المستنقع السوري، في ظل موقف الإدارة والخارجية الأميركية، أوباما وكيري، الراغب في إبراز هيبة الولايات المتحدة، المتراجعة على الصعيد الدولي، بسبب سياسات وزير الدفاع الحمائمي، والتي أفضت إلى سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وتمدد القوى الإقليمية المعادية للولايات المتحدة، كروسيا وإيران.
ومن الأسباب التي أدت إلى "اقتلاع" هاغل مواقفه المتشددة من لوبي صناعة السلاح في الولايات المتحدة، ومعارضته شن أي عملية عسكرية، خارج البلاد، كما كان عهد الإدارات الأميركية، ما أدى إلى نقمة واسعة في صفوف عمالقة صناعة السلاح في الولايات المتحدة، التي تعد من أبرز أذرع تمدد النفوذ الأميركي في العالم.
والتخفيضات المتتالية التي قام بها وزير الدفاع الأميركي "المقال" على ميزانية الدفاع كانت أيضاً محط انتقاد من صقور وزارته، فميزانية وزارة الدفاع في الولايات المتحدة تعد من وجهة نظر كثيرين من صناع القرار في الولايات المتحدة من رموز الهيبة الأميركية، وتخفيضها يضر بقطاعات واسعة من مرافق الوزارة التي تعد من أهم الوزارات في أميركا، وإذا كان للوزير المقال مبرر لهذه التخفيضات، بعد سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وعدم فتحه بؤراً قتالية جديدة، إلا أن ذلك يتضرر منه، كما هو واضح، سدنة هياكل الهيبة الأميركية المبنية على استعراض القوة والسلاح، وتصديرهما.
ما المطلوب من وزير الدفاع الجديد؟
بعد استيعاب "صدمة" الإقالة عبر تخفيفها إلى "استقالة"، والتسريع بملء فراغ الوزير، أغلب الظن أن الرئيس الأميركي سيرشح اسماً "مغموراً" في فضاء وزارة الدفاع، لكنه سيكون من صقور استراتيجية النفوذ الأميركية حول العالم، ومن مؤيدي القيام بعمليات عسكرية واسعة في عدة مناطق، تتطلب من وجهة نظر صناع القرار الأميركي، اتخاذ مواقف أكثر حسماً، بعد فشل مفاوضات الملف النووي الإيراني، وتمديدها، لاستكمال دراسة تفاصيل الاتفاق النهائي والشامل، كما تقول إيران.
أولى مهام الوزير الجديد ستكون التمهيد لكسر الجمود السياسي على الصعيدين، السوري والإيراني، عبر التمهيد لعمليات عسكرية واسعة ضد سورية وإيران، لتحريك المسارات السياسية المتعثرة، والخروج من نفق الانسداد السياسي الذي وصل إليه الملفان. وبحسب مصادر مطلعة، رافقت عملية "إقالة" الوزير هاغل، فإن المرحلة المقبلة التي تعتزم الولايات المتحدة تدشينها، تتطلب إمكانيات وقدرات لا تتوفر في الوزير المقال، بوصفه من أنصار الحلول السياسية وينتمي إلى معسكر الحمائم الأميركي.
تفاصيل التمهيد لهذه العمليات العسكرية الواسعة التي ستخوضها الولايات المتحدة عقب تعيين الوزير الجديد، ستكون بداية بقبول المطالب التركية الداعية إلى إنشاء منطقة عازلة شمالي سورية، لاستيعاب اللاجئين السوريين الهاربين من بطش النظام وقصفه، ومعارك تنظيم الدولة وقصف قوات التحالف عليه، وتجهيز قوات دولية أو إقليمية برية، لحماية هذه المنطقة العازلة، وتسليم قيادتها إلى تركيا، وتوسيع نطاق قصف قوات التحالف، ليشمل أهدافاً عسكرية للنظام في سورية، مقابل فتح تركيا لقواعدها العسكرية جنوب البلاد، وتسهيل ضربات عسكرية متوقعة ضد المنشآت النووية الإيرانية، بعد أن فشلت الدبلوماسية الأميركية والمغريات الأخيرة في تليين مواقف طهران، إذ تشير آخر العروض المقدمة من الجانب الأميركي إلى طرح الأخيرة على إيران ترقيتها إلى مستوى الحليف الاستراتيجي الثاني في المنطقة (بعد إسرائيل)، وإطلاق يدها في المنطقة، في مقابل تخليها عن البرنامج النووي، وفك ارتباطها وتحالفها الاستراتيجي مع روسيا.
إقالة وزير الدفاع الأميركي لن تكون حدثاً عابراً يمكن التغطية عليه بعبارات المجاملة أو المديح، كما يندرج في إطار فشل السياسات "الناعمة للإدارة الأميركية، إزاء ملفات عدة، ولعل الحاجة إلى نصر عسكري عاجل، يبرز للتغطية على نتائج انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين الأخيرة، والتي مني فيها الديمقراطيون بهزيمة نكراء، يخشون على إثرها أن تؤثر على سير انتخابات الرئاسة المقبلة.