سوريون خرجوا ولم يعودوا

30 اغسطس 2020
تظاهرة من لندن من أجل المختفين قسراً في سورية (كارل كورت/ Getty)
+ الخط -

"خرج ولم يعد" هي حكاية الكثير من ضحايا الإخفاء القسري في سورية على مدى عقود طويلة، إذ يحرم الجميع من أبسط حقوقهم. ولا تراعي الأجهزة الأمنية القوانين أو الاتفاقيات الدولية، لتعتمد الخطف أسلوباً لإخفاء ضحاياها سواء لأسباب سياسية أو غير ذلك. وما زال مصير البعض مجهولاً حتى اليوم. قبل نحو ثماني سنوات، وتحديداً مساء العشرين من شهر سبتمبر/ أيلول في عام 2012، كانت عائلة المعارض عبد العزيز الخير وبعض أصدقائه ينتظرونه على العشاء بعد وصوله من مطار دمشق الدولي قادماً من الصين، بعد زيارته إياها ومجموعة من المعارضين. استقل السيارة مع ماهر طحان وإياس عياش اللذين قدما لاصطحابه. وصعد من كان معه في الوفد بسيارة أخرى. اجتازت الأخيرة حاجزاً تابعاً للاستخبارات الجوية، فيما لم تنجح في ذلك سيارة الخير ورفاقه. وعلى الرغم من مناشدات العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية والدول، يصرّ النظام على إنكار اعتقال الخير ورفاقه. 

تقول المعارضة والمعتقلة السابقة وزوجة الخير، فدوى محمود، إنها ما زالت تطالب بإطلاق سراح زوجها وابنها المعتقل، وتُواصل العمل اليوم من أجل إخراج جميع المعتقلين، وأسست مع العديد من ذوي المعتقلين منظمة "عائلات من أجل الحرية". تضيف لـ "العربي الجديد": "اتبع عهد رئيس النظام السابق حافظ الأسد سياسة الاعتقال عبر الخطف لإخفاء الأصوات التي تعارضه، وترهيب المجتمع، وهو ما ورثه رئيس النظام الحالي بشار الأسد، الذي اتبع السياسة نفسها لجعل الشعب السوري يخافه". 
تشير محمود إلى أن "ملف الاعتقال والإخفاء القسري هو الأكثر تعقيداً اليوم"، لافتة إلى أن النظام يتمسك به ليكون طوق نجاته. تضيف أن "فتح هذا الملف سيكون كارثة كبيرة بالنسبة إليه. للأسف، المجتمع الدولي لم يعط هذا الملف حقه حتى اليوم ولا أعرف السبب. لكن هناك تساؤلات كثيرة مني ومن عائلات المعتقلين. ويقول مثل شعبي: الغريق يتمسك بقشة". تضيف: "هذا حال معظم عائلات المعتقلين". واليوم، تقول إنها مستعدة لدفع الغالي والرخيص من أجل أي معلومة عن أحبائها، مع الحرص على عدم التحول إلى فريسة لأشخاص يتاجرون بآمالهم. "أقول بالصوت العالي إن هؤلاء تجار أزمات ولا يجب التجاوب معهم. الدعم يكون من خلال الضغط على كل الجهات الدولية والمنظمات الحقوقية للإفراج عن المعتقلين، وأن يكون لعائلات المعتقلين دور أساسي في كل مكان يحكى فيه عن المعتقلين لأنهم أصحاب الحق". 
لم تتمكن محمود من البوح بمشاعرها حول تجارب الاعتقال التي عاشتها شخصياً أو عن زوجها وابنها، مكتفية بالقول: "آخ على الوجع. هل يكفي أن أقول إنني أم لطفلين اعتقلت أمام عيونهما؟ لا أستطيع التعبير عن هذا الوجع والألم". وفي ما يتعلق بسياسة النظام خلال الاعتقال، تقول: "منذ البداية، تعمد النظام إسكات الأصوات السلمية والحريصة على الحل السياسي السلمي، وأخفاها لأنه يخاف هذه الأصوات. وإذا رجعنا بالذاكرة قليلاً، نرى أن النظام أخفى الناس السلميين لأنهم كانوا يمثلون صوت العقل". 
ما زالت تتمسك بأمل أن تجد زوجها وابنها. وتقول: "كيف لا أبحث عنه وهو رفيق الدرب؟ وكيف لا أبحث عن كل معتقل وأنا الأم السورية التي عاشت جحيم الاعتقال؟ حتى اليوم، أعيش هذه المعاناة مع أحبتي ماهر وعبد العزيز وجميع المعتقلين، وسأبقى أبحث عن جميع المعتقلين والمعتقلات. هذه مهمتي ورسالتي". تضيف أن المتابعة صعبة وتستنزف القلب والروح. "لكن في اليوم الذي لا أفعل فيه شيئاً للمعتقلين، أشعر بتأنيب الضمير. لذلك، سأستمر ولن أستسلم للتعب. وأقول لجميع العائلات التي لديها معتقل إننا سنكون صوتهم وصوت المعتقلين وحناجرهم التي لن تسكت حتى تتحقق مطالبنا بحرية أحبائنا".  
مرت ثماني سنوات على اختفاء شقيق أحمد م. (43 عاماً)، ابن مدينة تدمر الذي طلب عدم الكشف عن هويته نتيجة مخاوف أمنية. يقول لـ "العربي الجديد": "اعتقل شقيقي عند حاجز لقوات النظام في عام 2012، واقتيد إلى جهة مجهولة". يضيف: "كل محاولاتنا لمعرفة مكان اعتقاله أو السجن الذي نقل إليه باءت بالفشل. طوال السنوات الماضية، كنّا نعيش على أمل معرفة خبر عن شقيقي، وإذا كان على قيد الحياة أو لا. تقدّم أمي وأبي في السن، ودائماً ما يذكرانه ويشعران بالحزن عليه". 
يضيف: "منذ نحو عامين، قال لي أحد أقربائي في سورية إن المخفر أخبره بأن برقية من الشرطة العسكرية أفادت بأن شقيقي توفي في السجن. وقع الخبر كالصاعقة على والديّ، وقد انهارا هما اللذان كانا يعيشان على أمل أن يحضنا شقيقي، ولم يتقبلا موته". 
ما زالت عائلة أحمد تعيش الأمل مع خروج كل معتقل، أملاً أن تكون في حوزته أية معلومات عن ابنها. لكن الخيبة تتكرر في كل مرة. يقول: "8 سنوات من العذاب والألم يبدو أنها غير كافية لنحصل على خبر عن شقيقي، وغير كافية لإراحة قلب مفطور لأم لا تكف عن ذكره والدعاء له بالرحمة سواء أكان حياً أو ميتاً، وتغسل وجنتيها بدموع الحرقة". يتابع: "بالنسبة إلي، كل ما أتمناه هو الحصول على الخبر اليقين عن مصير أخي. فإن كان قد قتل بالفعل تحت التعذيب سينتهي عذابنا. وفي حال كان على قيد الحياة سيبقى لدينا أمل بلقائه، حالنا حال آلاف ممن اعتقل النظام أحباءهم أو أقاربهم". 
إلى ذلك، يقول مصدر في هيئة التفاوض السورية طلب عدم الكشف عن هويته، لـ "العربي الجديد": "نحن مستمرون بالعمل لإطلاق سراح المعتقلين من خلال الضغط على المجتمع الدولي، لكن الملف تم تسييسه، ويحتاج اليوم إلى توافقات سياسية دولية، وقد تحول إلى ورقة مقايضة بعدما نقل إلى طاولة أستانة الخاضعة لتوافقات إيران وروسيا وتركيا. وشكلت غرفة عمل مشتركة للمعتقلين، بعدما بات الملف خاضعاً لتبادلات غير عادلة والمتوقفة بالأصل، فجبهة النصرة هي التي تعمل على تبادل المعتقلين مع النظام". ويوضح أن "مجرد خسارة الملف من طاولة جنيف ليتحول إلى ملف بوكالة تلك الدول وبوجود الأمم المتحدة كطرف مراقب، يعني تسييسه"، مضيفاً أن "كل هذا لن يثنينا عن مواصلة العمل. اليوم، نعمل على إنجاز بنك معلومات مركزي عن المعتقلين، ونحضر لعقد مؤتمر دولي خاص بهذا الملف".
المساهمون