وكان النظام قد بدأ التضييق على الصحافيين منذ الأيام الأولى للثورة فأغلق مكاتب القنوات التلفزيونية جميعاً، وأبقى فقط على تلك التي تدور في فلكه، وتحول كل إعلام مختلف إلى متآمر على السيادة الوطنية. وتحوّل بالتالي الصحافيون إلى أهداف مشروعة لرجال الأمن، فاعتقل الكثيرون، وطورد الكثيرون. وما زال الصحافيان مازن درويش وجهاد أسعد معتقلين منذ أكثر من سنتين من دون محاكمة بالرغم من المطالبات العربية والدولية بإطلاق سراحهما.
تم توثيق عدد كبير من حوادث استهداف الصحافيين من قبل قوات النظام التي كانت تعمد في الكثير من الأحيان إلى قصف المواقع التي يتخذها الإعلاميون مراكز لعملهم. مثلما حدث خلال قيام قوات النظام بقصف مبنى إذاعة دير الزور خلال شهر أيلول سبتمبر عام 2012 وقد راح ضحية هذا القصف عدد من الصحافيين العاملين في المركز. كما سجلت العديد من حوادث استهداف الصحافيين الأجانب أولها في مدينة حمص في يناير/ كانون الثاني عام 2012 حيث قتل المصور الصحافي الفرنسي جيل جاكييه ليتبعه بعدها بشهرين الصحافية الأميركية ماري كالفن والمصور الفرنسي ريمي أوشيك.
وقد أكد الشهود أن قوات النظام تتحمل بشكل مباشر المسؤولية عن مقتلهم. وبالمقابل فلم تقم السلطات السورية بأي حركة تشير بأن مقتل هؤلاء الصحافيين يعنيها، بل اكتفى معاون وزير خارجية النظام فيصل المقداد بالقول إنهم يتحملون مسؤولية ما حدث لهم لأنهم لم يقوموا بالتنسيق مع السلطات السورية. وقامت قوات النظام بقتل الصحافي مصعب العودة الله بإطلاق النار عليه بشكل مباشر في أثناء مداهمة منزله في العاصمة دمشق صيف العام 2012.
وكان العام الأول من الثورة هو الأكثر دموية بحق الصحافيين فقد قد سجل خلال الفترة الممتدة
من شهر أيار مايو عام 2011 وحتى شهر آب/ أغسطس عام 2012 مقتل ما لا يقل عن خمسين صحافياً بدءاً بالمصور أحمد سليمان الضحيك الذي قتل في مدينة تلبيسة بحمص برصاص رشاش الدبابات التابعة لقوات النظام السوري بتاريخ 29/5/2011. وصولاً إلى مقتل الصحافي براء البوشي في أثناء تغطيته المعارك في مدينة التل الواقعة في ريف دمشق.
وتشير دراسة لمركز الدوحة إلى أن عدد القتلى في صفوف الصحافيين في سورية والناشطين الذين ينقلون ويوثقون أحداث الثورة والذين باتوا يعرفون بالصحافيين المواطنين منذ بداية الثورة السورية إلى 144 صحافياً.
وقد قضى بعض هؤلاء الصحافيين خلال قصف عشوائي على بعض الأحياء السورية بينما سقط آخرون برصاص قناصة أو تحت التعذيب بعد إلقاء القبض عليهم.
بالمقابل فإن المعارضة السورية المسلحة وتحديداً عناصر الجيش الحر لم يسجل قيامهم بأي اعتداء على الصحافيين أو الإعلاميين، بينما تم توثيق عدد من الحوادث التي وجهت أصابع الاتهام فيها إلى جبهة النصرة. ولعل أشهرها قيام الجبهة باختطاف المذيع في التلفزيون السوري محمد السعيد واقتياده إلى جهة مجهولة ثم الإعلان بعد ذلك عن مقتله، كما قامت جبهة النصرة بمهاجمة مقر قناة الإخبارية السورية وقتل خلال هذا الهجوم ثلاثة من العاملين في المقر.
ومع دخول تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو ما يعرف بتنظيم داعش على خط الصراع في سوريا تعددت حوادث اختطاف الصحافيين واعتقالهم، وتحديداً الصحفيين الأجانب. وتشير المعلومات المتطابقة التي حصلت عليها "العربي الجديد" أن الهدف من عمليات الاختطاف التي تنفذها "داعش" هو الحصول على فدية مادية وفي حال تم رفض دفع الفدية تعمد "داعش" إلى إعدام الرهائن. وقد حدث ذلك بالفعل مع الصحافي الأميركي جيمس فولي. فيما لا يزال مصير الكثير من الصحافيين والمصورين مجهولاً مثل طاقم قناة أورينت الذين اختطفوا من قبل مسلحين تابعين لتنظيم داعش.
وتؤكد التقارير الصحفية إلى أن قوات النظام السوري عمدت أكثر من مرة على الأقل إلى قتل الصحافيين بالرغم من وجود ما يشير إلى هويتهم، كما حدث مع مراسل قناة "الجزيرة" محمد الحوراني الذي قامت قوات النظام بقنصه وهو يقوم بإعداد تقرير تلفزيوني لصالح القناة. وقد التقطت عدسة المصور المرافق لمحمد الحوراني لحظة مقتله، فيما تجاهل وسائل إعلام النظام هذه الحادثة شأنها شأن الكثير من الحوادث الأخرى، معتبرة أن الحوراني هو شريك في المؤامرة الكونية التي تتعرض لها سورية.