يبدو أن التقدم الذي تحقّقه قوات النظام السوري في ريف حماه الشمالي، بهدف فكّ الحصار عن معسكري الحامديّة ووادي الضيف، والذي ترافق مع تعزيزات عسكريّة غير مسبوقة، يجبر فصائل المعارضة على الانسحاب من عدد كبير من مواقعها، مقابل تركيز هجومها على مركز مدينة إدلب، بهدف إشغال قوات النظام عن جبهة ريف حماه.
ويصبح وجود المعارضة في إدلب مهدداً، في حال تمكّن النظام من تأمين وادي الضيف والحامديّة، الأمر الذي يدفع كتائب المعارضة لاستهداف مركز قوات النظام الرئيس في محافظة إدلب، والواقع في بلدة المسطومة، من خلال استهداف قصر المحافظ، وإيصال المعركة إلى المربع الأمني في مدينة إدلب للمرّة الأولى.
وتأتي هذه التطوّرات وسط خلافات بين فصائل المعارضة، تطوّرت إلى اشتباكات بين "جبهة النصرة" من جهة، وكل من "جبهة ثوار سورية" بقيادة جمال معروف وحركة "حزم" من جهة أخرى.
وتمكّنت قوات النظام، مدعمة بعناصر من ميليشيا اللجان الشعبية "الشبيحة" الموالية لها، من السيطرة على مبنيي قصر المحافظ وقيادة الشرطة، في مدينة إدلب، عقب تمكّن عناصر من "جبهة النصرة" وتنظيم "جند الأقصى" وكتائب إسلامية أخرى من اقتحام المبنيين. وأسفر الهجوم، الذي يُعدّ الأعنف على مدينة إدلب المكتظة بالسكان، عن خسائر بشريّة فادحة في صفوف الطرفين، بينهم ضباط في قوات النظام، وعدة قياديين في صفوف الفصائل المهاجمة، وسط معلومات عن مقتل بعض المدنيين الذين صودف وجودهم أثناء الهجوم على المدينة.
ولا تزال الاشتباكات مستمرة بين الطرفين على أطراف مدينة إدلب، بالتزامن مع سيطرة "النصرة" على تلّ المسطومة، جنوبي المدينة، والذي يشرف على معسكر الطلائع، المعقل الرئيس، لقوات النظام في المحافظة.
وتتزامن التطورات الميدانيّة في محافظة إدلب مع تقدّم قوات النظام في ريف حماه الشمالي باتجاه ريف إدلب الجنوبي، إذ تتقدّم تلك القوات عبر محورين، باتجاه الجنوب نحو البويضة، وباتجاه الشمال نحو خان شيخون، في مسعى لفكّ الحصار عن معسكري واديي الضيف والحامدية.
وكانت قوات النظام قد استعادت يوم الجمعة الماضي، سيطرتها على مدينة مورك الاستراتيجيّة، الواقعة على أوتوستراد حلب ــ دمشق الدولي في ريف مدينة حماه الشمالي، والتي جرى اقتحامها من ثلاثة محاور، بعد قصف بالطيران الحربي والمروحي استمر أكثر من عشر ساعات، تخلّلها أكثر من 90 غارة جويّة بالبراميل المتفجّرة والصواريخ الفراغيّة، أجبرت قوات المعارضة على الانسحاب من المدينة.
وسبق هذا التقدّم استعادة قوات النظام السورية، الجمعة قبل الماضية، السيطرة على بلدة حلفايا ومحيطها في ريف حماه الشمالي، بعد معارك عنيفة ضد كتائب المعارضة المسلّحة، التي اضطرت إلى الانسحاب.
وكانت قوات النظام، وباستخدام السيناريو نفسه، تمكّنت من استعادة سيطرتها على بلدة خطاب الاستراتيجيّة، التي تضمّ موقفاً لآليات النظام، التي تحتاج إلى صيانة، وتقع في ريف حماه الشمالي الغربي، وذلك قبل أربعة أيام من السيطرة على حلفايا. تمكّن النظام أيضاً، من استعادة بلدة أرزة القريبة من بلدة خطاب، فضلاً عن ضمان القرى المحيطة بهذه المناطق، على غرار لوبيدة، وزور، وأبو زيد وجسر حلفايا.
وتبدو قوات النظام مرتاحة للمعارك الدائرة بين فصائل المعارضة المسلّحة في ريف إدلب الجنوبي، ولم تضيّع تلك المناسبة سدى، إذ ارتكبت مجزرة في أحد مخيمات النزوح قرب قرية عابدين، راح ضحيتها أكثر من 20 قتيلاً وعشرات الجرحى، إثر غارة جويّة.
وبلغت التوتّرات ذروتها بين "جبهة النصرة" و"جبهة ثوار سورية" التابعة لـ "الجيش الحر"، عبر معارك بدأت في بلدة البارة التابعة لجبل الزاوية، الإثنين الماضي، قبل أن تمتدّ إلى عدد من المناطق، أبرزها مدينة معرة النعمان.
وتسعى "النصرة" إلى تثبيت مقراتها في ريف إدلب، بعد تراجعها في ريف حماه الشمالي، مستفيدة من التعاطف الحاصل معها بعد غارات التحالف الدولي وهجومها على مقرات النظام في مدينة إدلب، لتنجح حتى الآن بالسيطرة على سبع بلدات وقرى، تضاف إلى سرمدا وحاس وسرمين وسلقين.
وتبدو "جبهة ثوار سورية" أكثر قلقاً على وجودها في ريف إدلب، وكانت هي نفسها قد حذرت، على لسان قائدها جمال معروف، قبل شهرين، من سعي "النصرة" إلى إعلان إمارة في سوريّة، واتهمتها بسحب عناصرها وآلياتها من مناطق المواجهات مع قوات النظام وحشدها ضدّ الجيش الحر.
وكانت "جبهة النصرة" قد نفت طلب إحضار عناصر ينتمون إلى "جبهة ثوار سورية" من بلدة البارة، متهمة الأخيرة بادعاء ذلك، "ليكون مبرراً لاقتحامها البلدة مدعومة بالدبابات والمضادات، ما أوقع قتيلاً وعشرات الجرحى من جبهة "النصرة" وحركة "أحرار الشام" الإسلامية".
وتؤكّد الجبهة، في بيان صادر عنها، أنها والفصائل "المجاهدة" في المنطقة، وأهالي جبل الزاوية، "تصدّت للاقتحام"، لافتة إلى أنّ البيان الذي نشرته "جبهة ثوار سورية" الأحد الماضي، "يحمل تناقضات مثل طلب "النصرة" مقاتلين من الأخيرة، ومن ثم حمايتهم". وتقدّمت "النصرة" بعد ذلك إلى مدينة معرة النعمان، لتسيطر على مقرات "جبهة ثوار سورية"، وتعتقل قائد لواء "شهداء معرة النعمان" التابع لجبهة "ثوار سورية".
وليس مبالغة القول إنّ الاشتباكات التي تأتي في مرحلة حرجة، تهدّد كيان المعارضة السورية ككلّ، بعد الهزيمة في أرياف دمشق وحلب وحماه، والتي دفعت أوساطاً عديدة للتهدئة بين الفصائل المتقاتلة، كان أهمّها مبادرة تحت اسم "ولا تنازعوا"، بدعوة من "علماء وطلاب علم وقادة" في سورية. وتستند المبادرة إلى وقف إطلاق النار من الطرفين، وإطلاق سراح المحتجزين لديهما، إضافة إلى تسليم جثث القتلى، مطالبة الطرفين بالانسحاب من المقرات المُستولى عليها قسراً وبشكل فوري، والسماح لبقية الفصائل المقاتلة بنشر قواتها لمنع تجدّد الاشتباكات.
وتقترح المبادرة تشكيل "لجنة شرعية عليا"، مكوّنة من: الشيخ أبو بصير الطرطوسي، والشيخ أبو ماريا القحطاني، الدكتور حذيفة عبدالله عزام، وشيخين يرسلهما "المجلس الإسلامي السوري"، لتحقّق في كلّ القضايا العالقة بين "النصرة" و"جبهة ثوار سورية". وحدّدت مهلة مدتها 24 ساعة، ليستجيب الطرفان لها.
وتتفق المبادرة إلى حدّ كبير مع بيان لحركة "أحرار الشام الإسلامية" التابعة لـ"الجبهة الإسلامية"، وأبرز فصائل المعارضة في ريف إدلب، والتي استنكرت من خلاله الاقتتال بين "النصرة" و"ثوار سورية"، داعية إلى وقفه فوراً، والتوجّه إلى القتال ضد قوات النظام.
ويبقى البند الأهم، تحييد حلب عن المعارك الدائرة بين الفصائل، لأنها في وضع لا تُحسد عليه بعد التراجع أمام هجوم قوات النظام في ريف حلب الشمالي، والتي أدّت لقطع الإمداد عن طرق المعارضة، علماً أنّ البيان يحمل توقيع كل من ممثل "جبهة النصرة" أبو حفص البغدادي، وممثل حركة "حزم" أحمد ديري، ويتعهّد كلا الطرفين بألا يعتدي على الآخر من داور الجندول حتى داخل مدينة حلب.