سوبر ماركت

09 يوليو 2014

سوبرماركت في غزة (يونيو 2014/Getty)

+ الخط -


أحياناً أجد لدي الرغبة في أن أقدم الشكر لمخترع نظام السوبرماركت، الكولومبي سام والتون، والذي تعلم من صاحب متجر بيني في ولاية ميسوري أهم مبدأ للتعامل مع الآخرين، وخصوصاً الزبائن، وهو: أعط مقابل كل دولار يدفعه الزبون كل ما تستطيع من قيمة وجودة ورضا، ولن تخسر أبداً. وهكذا يكون هو أول من طرح فكرة "السوبرماركت" أو "الهايبرماركت" الذي يبيع كل شيء من الإبرة إلى الأجهزة الكهربائية، ويجعل التسوق تحت سقف واحد، ولكن رغبتي في شكر هذا الكولومبي تراجعت قليلاً، حين دلفت إلى أكبر سوبرماركت في مدينة غزة، في أول أيام شهر رمضان، والذي لا يؤمه سوى علية القوم من كبار الموظفين الذين يتقاضون رواتب ضخمة إلى الأثرياء ملاك الأراضي والعقارات، إلى محدثي النعمة الذين أثروا في فترة حفر الأنفاق بين مصر وغزة، وأصبحوا يمارسون كل أنواع التجارة المشروعة وغير المشروعة، بتهريب كل ما يمكن تهريبه، ليقفزوا إلى خانة الأثرياء في سنوات قليلة.

في "السوبرماركت"، وحين دلفت من بابه الرئيسي، استقبلني أحد عماله بالترحيب، وساق أمامي سلة ضخمة، وبدأ يعرض لي آخر أنواع البضائع التي وصلت إليهم، والعروض التشجيعية للشراء، حين دلفت امرأة بسيطة الملبس، تحمل في يدها ورقة، ما أن رآها العامل نفسه، حتى نظر لها شزراً، وبدا مستاءً كل الاستياء من دخولها المكان، فسألته لم "قلب سحنته"، هكذا فجأة فأجابني: الآن سترين.

لاحقت المرأة المسنة، وهي تجمع بعض المواد التموينية بيديها، ثم اتخذت من غطاء رأسها سلة، وبدأت تضع فيه الأغراض، وهي تتنقل مشدوهة بين الرفوف، حين انتهرها العامل بقوله: يكفي هذا، اذهبي إلى قسم الحسابات.

أمام المحاسب، عرفت أن المرأة تحمل في يدها "كوبون لسلة غذائية بقيمة 50 شيقل إسرائيلي"، أي ما يعادل 15 دولاراً أميركياً فقط، وأن مقدار ما جمعته من مواد تسوق يفوق هذا المبلغ أضعافاً مضاعفة، وأن هذا "الكوبون" حصلت عليه من أحد المحسنين الأثرياء، بعد الاتفاق المسبق مع السوبرماركت، وأن عليها أيضاً إبراز هويتها الشخصية مع الكوبون، لكي تستلم قيمته.

شعرت المرأة الفقيرة بالإحراج، حين قال لها المحاسب ساخراً: قيمة "الكوبون" لا تكفي إلا لزجاجة صغيرة من زيت الزيتون، وبعض قطع الصابون. شحب وجه المرأة أكثر، أمام نظرات المحاسب، وبعض العمال الذين لاحقوها بنظرات السخرية، حتى غادرت "السوبرماركت" الفخم، وهي تحمل بيدها زجاجة الزيت والصابون..

ما رأيته بعيني جعلني أتأكد أننا في غزة أصبحنا مثل السوبر ماركت الذي يجمع جميع البضائع، فغزة تجمع جميع شرائح البشر من المستويات الاجتماعية المختلفة، حتى تصل إلى درجة ما تحت الصفر، لكن الغريب على غزة طريقة التعامل مع هذه الشرائح، بالمساعدة أو صرف المساعدة تلك، فماذا كان سيخسر ذلك الثري، لو أعطى تلك السيدة هذا المبلغ نقداً، وتكون، ساعتها، حرة التصرف به، وتحفظ كرامتها وماء وجهها.

كوبون السلة الغذائية هي ظاهرة استعراضية، في المقام الأول، تنتشر في فترة شهر رمضان والأعياد، وتؤدي لمزيد من المبيعات لأصحاب أمثال هذا السوبرماركت، حيث تكون لديه فرصة للتخلص من بضائع كثيرة، قاربت على الفساد، وتؤدي إلى المزيد من الشهرة لأمثال هذا الثري، وتؤدي، أيضا، إلى مزيد من الحسرة والألم، لأمثال هذه المرأة الفقيرة التي تدخل مثل هذا المكان، أول مرة في حياتها.

إذا كان سام والتون الذي أسس مؤسسة "وول مارت" العملاقة التي تنتشر فروعها حتى في المناطق النائية، لأنها تحمل شعار: اشتر بضاعتك بسعر جيد، وبعها بسعر زهيد، وخلال ذلك ابتسم. إذا كان قد أرسى قواعد التعامل مع الزبون، فقد سبقه الإسلام بكثير، حين قال رسول الله "ص": تبسمك في وجه أخيك صدقة"، كما وضع الإسلام شرط الصدقة المقبولة عند الله، ألّا تعلم بها اليد اليسرى عندما تقدمها اليد اليمنى.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.