وكشفت مصادر حكومية عراقية وأخرى برلمانية من التحالف الوطني لـ"العربي الجديد"، عن عودة سليماني إلى العراق بدعم حكومي وموافقة أميركية هذه المرة بعد الفوضى التي عصفت بمليشيات "الحشد الشعبي" والخلافات التي نشبت بين الحكومة وقادتها من جهة وبين قادة تلك المليشيات نفسها من جهة أخرى، إذ تسلّم الجنرال الإيراني مهمة إدارة عمليات "الحشد الشعبي"، وكانت أولى قراراته طرد العشرات من عناصر المليشيات التي سُجِل فرارها من المعارك، في وقت سابق، وإعادة تنظيم المجلس القيادي لما يُعرف بـ"هيئة الحشد الشعبي". ومن غير المعروف ما إذا كان تغيير اسم الحملة في الأنبار من "لبيك يا حسين" إلى "لبيك يا عراق" مرتبط بعودة سليماني من عدمه، علماً أن التلفزيون الرسمي نقل عن متحدث باسم مقاتلي "الحشد الشعبي" كريم النوري إن "الاسمين لهما المعنى نفسه".
وأبلغ مسؤول عراقي "العربي الجديد" أن سليماني وصل إلى بغداد، السبت الماضي مساء وغادر الاثنين، لكنه عاد، الثلاثاء، ليستقر في بغداد، ويعقد سلسلة اجتماعات مع قادة المليشيات من دون أن ينتقل إلى المناطق التي تجري فيها المعارك كالأنبار وصلاح الدين.
وأوضح المسؤول العراقي الذي يشغل منصباً وزارياً في الحكومة العراقية، أن "سليماني عاد مجدداً وبعلم الأميركيين الذين كانوا، سابقاً، يتحفّظون على تواجده، وجاء ذلك بسبب طلب حكومي عقب انفلات مليشيات الحشد في الشهرين الماضيين وتعدُّد صنّاع القرار فيها وخروجها عن سيطرة حكومة العبادي، التي ترغب في أن يكون سليماني مجدداً في واجهة الصورة بعد فشل جهود إيقاف تقدّم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق".
وتوقّع المسؤول العراقي، أن تكون "المشاركة الإيرانية أكثر وضوحاً في العراق خلال الفترة المقبلة"، مؤكداً أن سليماني "سيعيد النظر مرة أخرى في خطة حماية بغداد لتحصينها أكثر من الداخل والخارج"، في إشارة إلى احتمال بدء المليشيات في عمليات اعتقال عشوائية مثل تلك التي تفعلها بين فترة وأخرى في بغداد تطال مناطق معينة داخل العاصمة.
إلا أن العضو البارز في حزب "الدعوة" في بغداد (الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق نوري المالكي)، جاسم الفتلاوي، نفى تسليم سليماني مهمة إدارة "الحشد"، مؤكداً أن "عودة الحاج سليماني تأتي استكمالاً لدوره في حماية العراق"، وفقاً لقوله.
وأوضح الفتلاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "سليماني أقنع بلاده بتزويد العراق بالسلاح والذخيرة والمقاتلين من قوات الحرس الثوري التي عادت، أخيراً، من العراق، وستكون هناك نتائج مذهلة على صعيد المعركة ضد داعش، وكله سيكون بفضل إيران"، معتبراً أن "بقاء الحكومة تلهث خلف الأميركيين غير مجدٍ لأن واشنطن، أصلاً، لديها أجندة تريد استكمالها قبل التفكير في القضاء على داعش، وهذا سيكون على حساب دماء الشيعة في العراق"، على حد وصفه. وأكد أن "سليماني سيشارك في معارك الأنبار خلال الفترة المقبلة"، موضحاً أن "هناك، حالياً، عدداً من المستشارين الإيرانيين مع الحشد الشعبي، فضلاً عن عناصر من فيلق القدس والباسيج يتواجدون في بلدة الخالدية في الأنبار".
وكان سليماني قد "عاتب" الولايات المتحدة في خطابه، قبل أيام في مدينة كرمان جنوب إيران، على خلفية عدم بذل ما يكفي من الجهود في محاربة "داعش مع أنها قادرة على ذلك"، وأنها "لم تفعل شيئاً لمساعدة الجيش العراقي على التصدي له في الرمادي"، مؤكداً أن واشنطن ليست لديها إرادة لقتال "داعش"، وأن التنظيم يُصدّر نفطه من خلال الدول الأعضاء في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
اقرأ أيضاً: "ظهور" قاسم سليماني: واشنطن غير جدية في محاربة "داعش"
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المحلل السياسي العراقي، رائد العزاوي، إنه "على الرغم من رفض العراقيين التدخل الإيراني الكبير في شؤون العراق بكل تفاصيله، إلا أن هذا الرفض لم يمنع الحكومة العراقية من اللجوء إلى طهران من أجل الحصول على دعم عسكري للتخلص من خطر داعش".
وأشار العزاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عودة قائد فيلق القدس "هدفها الأساس هو إدارة صفحات الحرب في العراق وتغذية الطائفية، كما فعل، سابقاً، في سورية"، لافتاً إلى أن "قيادات مليشيا الحشد الشعبي، والمؤلفة من جماعات عصائب أهل الحق والكتائب، ومنظمة بدر والصدريين وغيرها، كانت على وشك إعلان تمردها التام، بل وانقلابها الكامل على مجمل العملية السياسية عبر السيطرة على إدارة البلاد وإسقاط العاصمة العراقية بغداد تحت قبضتها وفرض أمر واقع طائفي وميداني، كانت ستكون له تداعياته الخطرة على الوضع العراقي بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام".
وقال إن "تيارات سياسية عديدة متصارعة ضمن إطار حزب الدعوة، ومنها تيار نوري المالكي، تشجع قيام المليشيات بحركة تمرد لكي يكون المالكي رجل الإنقاذ الأول في البلاد والبديل عبر العودة لقيادة الحكومة ضمن مخطط تم الإعداد له مسبقاً بعد أن خسر منصبه في الانتخابات البرلمانية"، التي أجريت في الثلاثين من شهر أبريل/نيسان 2014.
من جهة أخرى، كشف القيادي في "جبهة الحراك الشعبي" محمد عبدالله لـ"العربي الجديد"، أن "صواريخ سكود إيرانية وصلت إلى الأنبار عبر النخيب التي احتلتها المليشيات"، مشيراً إلى أن "هذه الصواريخ جاءت بسبب حجم المحافظة ولتنفيذ خطة الأرض المحروقة والعمل على تجنّب الاحتكاك مع داعش قدر الإمكان، من خلال قصف مواقعه بكثافة، قبل التقدّم كما حصل في تكريت".
واعتبر أن "هذه التطورات بمثابة خطر كبير يلوح في الأفق"، معبراً عن خشيته من أن "يلتف الناس حول تنظيم الدولة في حال خُيّروا بينه وبين إيران ومليشياتها"، لافتاً إلى أن "الحكومة لا تدير الموضوع بحكمة بالغة، فالعراقي السنّي يرى في مشاركة إيران استهدافاً دينيّاً يعززها ملف جرائم المليشيات السابقة في العراق". وقال عبدالله إن "العشائر السنّية المناهضة لداعش قد تنسحب من المعركة في حال بات التدخل الإيراني في العراق مفضوحاً".
في السياق نفسه، منحت الحكومة العراقية عدداً من المحطات التلفزيونية موافقات لمرافقة القوات النظامية أو المليشيات في معارك الأنبار. وقالت مصادر إعلامية، إن الحكومة وافقت على قنوات "العهد" و"المنار" و"الغدير" و"الميادين" و"العالم" و"الفرات" و"النجف"، لتغطية تلك المعارك دون غيرها من القنوات، وهو ما عدّه الوسط الصحافي في البلاد محاولة حكومية لتبنّي رأي واحد أو إظهار صوت واحد على غيره وتحسّباً لوقوع جرائم كالتي حصلت في تكريت واضطر خلالها مدير مكتب "رويترز" في بغداد إلى الفرار من البلاد عقب تهديدات تلقاها بالقتل لنشره تفاصيل جرائم وانتهاكات المليشيات في المدينة.
اقرأ أيضاً: العبادي منزعج من تحركات قاسم سليماني في العراق