سلاح الاحتكار

02 مارس 2015
الإشاعة تلهب الأسعار في غزة وتقهر الاقتصاد (Getty)
+ الخط -
تختلف أدوات تدمير اقتصاد بلد ما. من العقوبات الاقتصادية تارة، والذكية طوراً، الحصار، وغيرها من الأساليب التي استخدمت حديثاً. ولعلّ العراق وقطاع غزة، أكبر مثلين لما تعرّض له اقتصادهما من تدمير، جراء العقوبات الاقتصادية، والحصار المفروض منذ سنوات. نظرة صغيرة حول حجم النمو، وتفاقم المشاكل التنموية، تظهر الثمن الذي دفعته اقتصادات هذه الدول.
في المقابل، تسببت حروب الإشاعات في تفكيك اقتصادات كبيرة. ويؤكد خبراء في هذا الشأن أن المنطقة العربية تعرضت في أكثر من مناسبة إلى إشاعات ضربت اقتصادات كبيرة، وكادت أن تؤدي إلى تغيّرات في أنظمة الحكم. وتشير الدراسات والأبحاث التاريخية، إلى أن معظم الإشاعات التي طالت اقتصادات عربية بدءاً من فلسطين، مروراً بالأردن ووصولاً إلى العراق، اتخذت طابعاً سياسياً بالأساس.
ففي العراق، تمكنت موجة الإشاعات التي ضربت البلاد، خلال السنوات الماضية، من إرباك قطاعات اقتصادية وإلحاق الخسائر بها. يشير الخبراء إلى أن الحرب ضد تنظيم داعش في العراق، كانت كفيلة بإطلاق إشاعات تسببت بخسائر ناهزت عشرات الملايين من الدولارات، خاصة في القطاع التجاري. إذ إن انطلاق معلومات كاذبة عن تمدد تنظيم داعش نحو العاصمة بغداد، وتهديده مناطق الوسط والجنوب، أصاب الحركة التجارية بالشلل التام، وجرى إلغاء العديد من الصفقات بين التجار في الداخل والخارج. وبحسب المتابعين، فإن أسواق المال العراقية خسرت جراء هذه الإشاعات أكثر من 100 مليون دينار في يوم واحد.
وبعيداً عن التوترات الحربية، فإن إطلاق إشاعات تطال القطاع المصرفي العراقي، والحديث عن سرقة الملايين خلال السنوات الماضية، تسبب في خسائر لم تطل الاقتصاد العراقي وحسب، بل طالت اقتصادات مجاورة. إذ يؤكد بعض خبراء المال، أن موجه الإشاعات التي ضربت العراق، بعد تمدد داعش، تسببت في هجرة العديد من الأيدي العاملة الأجنبية، تاركة وراءها أموالاً وعقارات بيعت بأثمان بخسة، الأمر الذي انعكس سلباً على اقتصادات هذه الدول.
في فلسطين، وخاصة قطاع غزة، يكفي أن تظهر إشاعة ما تتعلق بغياب رواتب الموظفين، أو تهديد الاحتلال بشن حرب جديدة، حتى تشتعل الأسعار بشكل جنوني. يؤكد خبراء في قطاع غزة، أن أسعار السلع الغذائية لا تتحرك وفق مؤشرات اقتصادية، بل تتبع بورصة الإشاعات. فالحديث عن إقفال معبر رفح نهائياً كان كفيلاً برفع أسعار السلع أكثر من 100%. وقد تعرّض اقتصاد القطاع لموجة كبيرة من المعلومات الزائفة بعد انتهاء الحرب الاخيرة، رفعت بموجبها أسعار السلع الغذائية الأساسية، ناهيك عن اختفاء سلع أخرى من السوق. والمستفيد دائماً أصحاب الاحتكارات.
يقدّر الخبراء أن ثمن الإشاعة التي تطلق، لا تطال أسواق المال، بل شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة الفقراء، الأمر الذي يتسبب في زيادة الأعباء المعيشية على هذه الطبقة المسحوقة، ويؤدي مع مرور الوقت إلى انهيار اجتماعي واقتصادي، ما يتطلّب سنوات لإعادة الثقة بالاقتصاد.
ويشير الخبراء إلى أن مجرد إطلاق إشاعة ما ضد قطاع معيّن، أو مصرف تجاري أو أحد مراكز التسوّق، يؤدي في فترة زمنية لا تتعدى 24 ساعة إلى حدوث خسائر في رأس المال تهدد أمن المستهدف وبقاءه.

إقرأ أيضاً: الإشاعات في تونس: "تكتيك" اقتصاديّ
المساهمون