زاد المسؤولون الأتراك، ورئيس الدولة رجب طيب أردوغان خاصة، خلال الأشهر الماضية، مما يسمّى العامل النفسي. فكرّسوا خوف الأتراك من ليرتهم، عبر التصريحات المستمرة ومحاولات الطمأنة والتدخلات المباشرة، سواء بالإملاء على المصرف المركزي، أو حتى بتحويل مدخراتهم الدولارية للعملة المحلية، ما خلق سؤالاً في الشارع التركي "طالما الليرة قوية، والاقتصاد بخير، لماذا يخرج علينا الساسة كل صباح ليذكرونا بذلك.. إذا لا بد أنها بخطر".
وأثّر العامل النفسي، مشفوعاً بأسباب اقتصادية وصدمات سياسية، لا شك منها تراجع الصادرات والاستثمارات والتفجيرات الإرهابية، في تراجع سعر صرف الليرة التركية، لتبلغ، لأول مرة، نحو ربع دولار، قبل أن تتحسن إلى نحو 3.6 ليرات للدولار الواحد، بعد أن ترك الساسة إدارة السياسة النقدية للمصرف المركزي وبدأوا العمل بصمت، لتقوية الاقتصاد عموماً، والذي انعكس إيجاباً على سعر الليرة التي تتحسّن بشكل يومي.
وجاء تحسّن الليرة التركية مخالفاً لتوقعات الساسة والمحللين، والذين رأوا أن الغموض الذي يسبق الاستفتاء الشعبي على تعديلات الدستور الشهر المقبل، سيأتي أولاً على سعر الصرف وتردّد المستثمرين، ولن يشهد الاقتصاد التركي انتعاشاً، إلا بعد الاستفتاء وتحديد هوية البلاد السياسية التي ربما تنتقل للنظام الرئاسي ويتغير تلقائياً الكثير من الأنظمة والقوانين والصلاحيات الحكومية.
قصارى القول: إن المتابع للاقتصاد التركي خلال الشهر الفائت، يلحظ، بالتزامن مع تراجع المسؤولين السياسيين، عن الحديث، عن الطمأنة والوعيد والليرة، إجراءات كثيرة قامت بها حكومة بن علي يلدريم حرّكت من الاقتصاد الذي ساءت جميع مؤشراته خلال العام الفائت، من نسبة نمو وصادرات وتضخم وبطالة.
وقد وافق البرلمان التركي، وفق ما يسمّى تيسير القروض، على خفض الضرائب بنسبة 5% على المكلفين، كذلك جرت الموافقة على إعادة هيكلة القروض الزراعية، والدعوة إلى تأسيس صندوق "آخيه التجار" لتوفير رواتب للحرفيين المفلسين، وصرّفت الحكومة رواتب لنصف مليون عاطل بالتوازي مع زيادة الحد الأدنى للأجور.
بالمقابل، أولت الحكومة التركية اهتماماً خاصاً بالقطاع العقاري، فأعفت الأجانب من ضريبة القيمة المضافة عند شراء مبانٍ سكنية وتجارية، ويسّرت القروض بهدف شراء المساكن، ما زاد من حركة الأسواق وحرّك بالتالي بعض المؤشرات الاقتصادية، فتحسّن خلال شهر فبراير/ شباط الفائت مؤشر الثقة، بزيادة تصل إلى 6.8 وجاءت الزيادة بالاعتماد على معطيات قطاع الخدمات والتجارة والعقارات والبيع بالتجزئة، ليصل مؤشر الثقة إلى 92.2، في حين كان خلال شباط/فبراير 2016 نحو 85.7.
وربما تعتبر أهم للمؤشرات التي انعكست عليها القوانين الجديدة والعمل بصمت، الصادرات التي ارتفعت خلال الشهر الفائت بنحو 18.1% مقارنة مع شباط العام الفائت 2016، والذي شهد تراجع الصادرات مقارنة مع عام 2015 من 143 ملياراً و814 مليون دولار إلى 142 ملياراً و610 ملايين دولار، ما نسبته 0.84%.
خلاصة القول: ربما قيادة النقد على نحو خاص، كما قيادة السفينة أو الفرقة الموسيقية، لا تتحمّل أكثر من ربان ومايسترو، ولعل من أخطاء الساسة، حتى المنحدرين منهم من خلفية اقتصادية، كما الرئيس التركي ورئيس وزرائه، أنهم أرادوا معالجة أمراض الاقتصاد، والتي بعض أسبابها ربما سياسية، بأدوات سياسية، فزادوا من تعميق الأسباب التي بدأت تتلاشى تدريجياً منذ التزام الصمت، وبدأوا يؤسّسون لمناخ اقتصادي جديد يتناسب مع أحلامهم السياسية، والتي يسعون أيضاً إليها بصمت.