سقط الجسر والفقراء إلى العراء

13 فبراير 2014
+ الخط -

وقع الجسر، فانكشفت عورة الخراب فقراً يعيش تحت الجسور ولا يعرف عنه مَن يحكمون من القصور شيئاً. ليست هذه مبالغة ميلودرامية تستحلب التعاطف، بل هي واقع مريض يقبع تحت ظلال الجسر، لا يظهر إلى النور الا مع الكوارث التي لا يدفع فاتورتها غالباً سوى الفقراء أبناء الظل. ففي حالة من الحسرة والألم، أسرٌ أصبح الشارع مأوى لها، أو خرجت من الشارع الى الشارع كمنفى بين ظلين..

أهالي منطقة الشيخ منصور بعزبة النخل، إحدى ضواحي القاهرة، عاشوا لحظات خوف وفزع عقب انهيار "كوبري" الشيخ منصور، الواصل بين منطقتي عزبة النخل وعين شمس، الذي راح ضحيته قتيل واثنان من المصابين. لكنه طرد، بسقوطه، أسراً كانت تحتمي به.

وفي جولة ميدانية بالمنطقة، استمع "الجديد" لمأساة قاطني "العشش" المنكوبة. يقول محمد السيد: وقعت الواقعة حوالى الساعة الثالثة فجراً، و سمعنا طرقاً على الأبواب وأصوات صراخ تطالبنا بالخروج سريعاً من المنزل عقب اشتعال النيران بالعشش المجاورة. وأضاف: أيقظت الأولاد وأمهم وهرعنا إلى الخارج تاركين كل ما يخصنا بالمنزل.. ونحن الآن مشردون بلا مأوى أو ملبس.

فتحية محمود، تسكن "عشّة" مع زوجها واولادها، استيقظت على صراخ يحذّر من حريق، فهرعت مع اولادها خارج "العشة" القريبة من الجسر ونجت من موت محقق. وبعد سقوط الكوبري جاء المسؤولون وشاهدوا ما حدث ثم انصرفوا من دون أن يسألوا فتحية عن حالها "لحدّ دلوقتي أهوه قاعدين في الشارع محدّش جَه عبّرنا، رئيس الحي والمحافظ جم بصّوا على الكوبري دقيقتين كده ومشيوا ومحدّش اتكلم معانا، هنعمل إيه ملناش غير ربنا".

وقال محمد عبده (ميكانيكي): "نقيم في هذا المكان منذ حوالى 10 سنوات، ولا نجد مسؤولاً يقدم لنا أي دعم، وبعد وقوع عششنا التي نسكن فيها أصبحنا الآن في الشارع وحياتنا معرضة للخطر. وأنا رجل "على قدّ حالي معرفش أتصرف في بيت تاني"، وأضاف أن "المنطقة شهدت أكثر من حريق وواقعة سابقة ولم تحرك (الدولة) أي شيء".

فيما قالت رضا محمد (ربة منزل): "إن أصحاب العشش "غلابة" لا يجدون قوت يومهم، وهم يعيشون فيها منذ سنوات، والدولة لا تريد مساعدتهم"، مؤكدة أنهم في المنطقة قدموا عدة شكاوى أكثر من مرة للحصول على وحدات سكنية ولكن لم يستجب لهم أحد.

ويقول محمد عبد النبي (عامل محارة): "الرجال سينامون في العراء، ولكن ماذا نفعل في "الحريم"، وما ذنب الاطفال الصغار؟ وكيف ننام في العراء بهذا الشتاء؟".

وكشفت واقعة انهيار "كوبري" عزبة النخل عن مأساة إنسانية يعيشها عدد من الأسر الذين أصبح الشارع مأوى لهم بعد تهدم "عششهم" التي يقيمون فيها منذ سنوات، ليدفعوا ضريبة إهمال ووعود المسؤولين في إيجاد سكن لهم، إلا أنهم كانوا ضحايا كغيرهم من الآلاف الذين لا يجدون مأوى لهم.

وما بين وعود بتوفير شقق مؤقتة وتعويضات لضحايا انهيار أجزاء من كوبري الشيخ منصور على منازلهم، يظل الفقراء هم مَن يدفعون ضريبة فشل أجهزة الدولة من أرواحهم وسلامتهم وعيشهم، ويبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن تُحلّ أزمة وطن بأكمله من حكومة تعجز عن حل مشكلة "كوبري" تحت ظلاله ينام فقراء؟

دلالات
المساهمون