سفينة الحرية من غزة: أول حراك بحري ضد الاحتلال

29 مايو 2018
طوّقت سفن الاحتلال السفينة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تزاحم المئات من الفلسطينيين، صباح اليوم الثلاثاء، على ركوب سفينة "كسر الحصار" والقوارب الصغيرة المرافقة لها المُنطلقة من ميناء غزة البحري، في خطوة هي الأولى من نوعها في غزة، جاءت امتداداً لمسيرات العودة وكسر الحصار، التي يخوضها الفلسطينيون على طول الحدود الشرقية في القطاع منذ 30 مارس/ آذار الماضي. حراكٌ انتقل رمزياً نحو ميناء غزة غرباً، ضمن ضغطٍ متواصل يحاول خلاله الفلسطينيون كسر كل أشكال الحصار. ومثلما كان متوقعاً، اعترضت زوارق الاحتلال السفينة، عند بلوغها الميل البحري الثاني عشر من المياه الفلسطينية عندما كانت تحاول الوصول إلى ميناء ليماسول القبرصي.

المشهد كان حاشداً، الفلسطينيون من الجرحى والمرضى والطلاب والمُحاصَرين عامةً اصطفوا على الصخور البحرية بنيّة الصعود على متن قوارب كسر الحصار، وكُلهم أملٌ في أن تُحقق هذه الخطوة جزءاً مما يرجونه، من خلال زوال الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع في عامه الثاني عشر على التوالي. وقد سعت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار إلى بَيان المشاركين على متن القوارب، فكانوا من المرضى والمُصابين برصاص الاحتلال وكبار السن والطلاب وأصحاب الإقامات، وجميعهم فقدوا حقهم في السفر لأهدافٍ مختلفة.

ياسر أبو رمضان (16 عاماً) كان يجلس على كرسيٍ بلاستيكي، يُريح قدمه المصابة والمزروعة بالبلاتين الطبي، إلى حين إبحار تلك السُفن كي يركب فيها، بعد أن أصابه الاحتلال برصاصةٍ نارية متفجرة يوم "الاثنين الدموي" في 14 مايو/ أيار الماضي على حدود غزة. وقال أبو رمضان لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد إصابتي برصاص الاحتلال، زاد شعوري بالحصار علينا أكثر، يعني قبل كنا محاصرين، لا قادرين نسافر ولا نتعالج ولا نشتغل ولا نأمن حتى أكلنا، والآن صرت محاصر أكثر إني مش قادر أقف على رجلي لأطالب بحقوقي. بدي أطلع على السفينة حتى العالم يشوف حالنا وين وصل".

لغة الفلسطينيين كانت واحدة، فالجميع صرخ بصوتٍ عالٍ: "آن الأوان لعودة اللاجئين إلى أراضيهم المحتلة عام 1948 وكسر الحصار عن غزة، وأن يحيا الفلسطينيون حياةً كريمة بعيداً عن أشكال الذل والهوان".
نورة الطبش (27 عاماً)، إحدى المُشاركات على متن سفينة كسر الحصار، وجدت في خطوتها هذه صرخةً في وجه العالم الصامت على الحصار الإسرائيلي، خصوصاً أن الحصار أضاع مُستقبلها في نيل منحة دراسية والسفر إلى تركيا قبل عامين، وانتهى بها المطاف من دون عملٍ في غزة، على حد قولها.



وقالت الشابة الفلسطينية لـ"العربي الجديد": "لما قررت أطلع على السفينة، أنا عارفة إنو في خطر وخوف من تصدي الاحتلال لنا كما يفعل بكل أشكال العنف ضد المتظاهرين على الحدود الشرقية من غزة، لكن في النهاية لازم نستمر في تحركاتنا حتى نيل مطالبنا ونوصل رسالتنا للعالم إنه غزة ستنفجر في وجه هذا الحصار".

وتزامنت هذه الخطوات الفلسطينية مع ذكرى سفينة مرمرة و"أسطول الحرية"، التي شهدت اعتداءً عسكرياً واضحاً من قبل قوات البحرية الإسرائيلية في عرض البحر الأبيض المتوسط وأسفرت عن مقتل تسعة من المتضامنين الذين جاؤوا على متنه لكسر الحصار عن غزة في 31 مايو/ أيار 2010.

وحاول الاحتلال منع قوارب كسر الحصار الفلسطينية من الإبحار، من خلال قصف طائراته الحربية أكثر من مرة، في وقت سابق، سفناً راسية في ميناء مدينة غزة، بهدف محاولة تعطيل الحراك الأخير وإرسال رسائل تحذيرية للمشاركين على متن تلك القوارب، غير أن أبواب التسجيل للسفر عبر تلك القوارب، التي فُتحت في الأيام الماضية، شهدت إقبالاً حاشداً من الفلسطينيين.

وأوضح منسق الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار، خالد البطش، في كلمة له قُبيل إبحار السفن، أن "هذا الحراك يدل على أن إسرائيل هي عنوان معاناة الشعب، وهي التي ترتكب المجازر بحق الفلسطينيين، ولذلك فإن المسيرات توجهت ضدهم، وأن الطرف الذي يُعطل غزة ويُحاصرها هو المحتل الصهيوني".

وحظيت فعاليات سفن الحصار بتغطية إعلامية واسعة من الطواقم الصحافية المحلية والدولية والأجنبية، كونها خطوة أولى يُحاول الفلسطينيون من خلالها عبور حدودهم البحرية للمرة الأولى، في حين جُهزت هذه السفن بالطواقم الطبية، تحضيراً لما يخشاه المسافرون من اعتراض الاحتلال طريقهم، أو التصدي لهم بوسائل العنف التي اعتاد ممارستها ضد الغزّيين.

ونادى أحد المشاركين في سفن كسر الحصار، إيهاب أبو عرمانة، بأن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، مضيفاً في كلمة له: "نُريد إيصال رسائل الجرحى والفقراء والمرضى والطلاب والمعذبين والأمهات المكلومات إلى العالم"، وسط دعوات إلى تذليل العقبات التي قد تعترض طريقهم بسبب الاحتلال الإسرائيلي. واتخذ الفلسطينيون هذه الخطوات المستمرة في وجه الاحتلال، بعدما تدهورت أحوالهم المعيشية والاقتصادية، في ظلّ تصدّي الاحتلال لمسيرات العودة الكبرى على حدود غزة الشرقية، مستخدماً كل أشكال العنف في وجه المتظاهرين ومسقطاً أكثر من 116 شهيداً وما يزيد عن 13 ألف جريحٍ، خلال شهرين على بدئها.