سعدى وهاب حليمة.. عضو بلدية عاليه اللبنانية "قوية وجيّدة"

عاليه

عبد الرحمن عرابي

avata
عبد الرحمن عرابي
05 يونيو 2016
+ الخط -


تبدأ سعدى وهاب حليمة عملها تمام الساعة السادسة صباحاً في "مكتب الأشغال" الذي استحدثته في بلدية عاليه في محافظة جبل لبنان. تحمل جهاز اللاسلكي وتوزع الأدوار على عشرات العمال، قبل أن تنطلق في جولتها الصباحية. لا تخشى على طلاء أظافرها، بل تحمل مقبض الجهاز اللاسلكي بإحكام. تنادي الأشخاص بألقابهم على الجهاز: "مائة وواحد. مائة وواحد". تتوجه إلى المنطقة الصناعيّة للكشف على مشكلة الصرف الصحي. ثم "أبولو.. أبولو"، وتتوجّه إلى دوار المحكمة لتطلب من بائع الخضار عدم رش المياه على المنعطف في أثناء مرور السيارات.

تنتهي من توزيع الأدوار وتتأكد من انطلاق شاحنات جمع النفايات، قبل أن تستقل السيارة وتفتح شباكها إلى النصف تقريباً لتعلق اللاسلكي عليه. تتوقف في سوق الخضار للحظات. تتبادل "صبحية سريعة" مع إحدى جاراتها، وتنهيها بعبارات الغزل لها ولابنتها الصغيرة. تتوقف مُجدداً في المنطقة الصناعية لتهنئة أحد المخاتير الفائزين في الانتخابات التي جرت منتصف الشهر الماضي. تغني له أغنية فيروز: "يا مختار المخاتير"، وتعاود الانطلاق بالسيارة. 

اعتادت أن يستشيرها عمال وعناصر الشرطة البلدية في كل صغيرة وكبيرة. يُسمع لقبها "أم عمر" في أرجاء عاليه طوال اليوم، وفي ساعات الليل أيضاً. تتحدث بطلاقة عن الشؤون الإنمائية في عاليه، وتعرف التمييز بين أنواع مصابيح الشارع، والأدوات الكهربائية التي يحتاجها عمال الصيانة في البلدية. تقدّم تقريراً مفصّلاً عن واقع العمل البلدي في ما يتعلق بالبنى التحتية وإدارة النفايات الصلبة وتنظيم حركة السيارات وحال المواطنين في الأسواق والشوارع، بمجرد سؤالها عن عاليه.

عادت إلى المجلس البلدي للدورة الثانية على التوالي، بعد فوز اللائحة التي يترأسها وجدي مراد بالتزكية. وكان فوزها بالمقعد البلدي في الدورة الأولى ناتجاً عن عملها في الشأن العام. "الناس تنتخب من تجده فاعلاً على الأرض بغض النظر إن كان رجلاً أم إمرأة، وشاءت الظروف أن يكون وصولي إلى عضوية البلدية سهلاً". نشأت في عائلة ميسورة، وتلقت تعليماً جامعياً. واليوم، باتت قادرة على التفرغ للشأن العام بسبب عمل زوجها كطبيب وسفر أبنائها إلى الخارج.

تقارن سعدى وهاب حليمة بين عملها على الأرض وحديث سمعته من إحدى المرشحات الفائزات بعضوية المجلس البلدي في العاصمة بيروت. "قالت لي إن أحد السياسيين رشحها إلى المنصب، ولم تحدثني عن مؤهلاتها أو مشاريعها في البلدية". يستفزها الحديث عن الكوتا "لأن وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار المحلية والعامة لا يجب أن يكون بالفرض، بل بقدر ما تسمح به المؤهلات والظروف. لذلك، يجب العمل على تمكين المرأة اللبنانية".

أم عمر حاضرة دوماً ويستشيرونها بكل كبيرة وصغيرة (حسين بيضون) 




تُدرك أن تولّي المرأة مراكز عامة أمر صعب في المجتمع الدرزي المحافظ "لكنّنا في عاليه منفتحون، وتعلّمت من تجربة التغلب على مرض السرطان أن المستحيل يرتبط بإرادة الشخص وليس بظروفه". هذه الإرادة والقوة تجعلان وهاب قادرة على الإقناع. في إحدى المرات، قصد أحد المشايخ الدروز (رتبة دينية) "مكتب الأشغال" للمطالبة بتزفيت الطريق أمام منزله، فشرحت له أسباب التأخر من دون مواربة أو إطلاق وعود قد تكون غير قابلة للتحقيق. أحياناً، تقف مع مفوّض الشرطة البلدية وعناصر الشرطة وتناقش معهم تنظيم السير في شوارع البلدة المكتظة، أو تجلس على كرسي مكتب المفوض للبحث في قضايا عامة، قبل أن تصير الأحاديث شخصية.

على الرغم من مرور ست سنوات على عملها في المجلس البلدي السابق، بالإضافة إلى سنوات عملها في الشأن العام، ما زالت وهاب حليمة تعاني من مضايقات. تقول إن "البعض يرفض حضور المرأة في أماكن تواجد الرجال، وهم مستعدون للإساءة إليها لإثبات وجهة نظرهم". مع ذلك، ترفض الاستسلام. خلال عملها، تحرص على ارتداء ثياب فضفاضة تجنباً لاستفزاز الشارع. أصلاً، تشير إلى أن عملها قبل الظهر وبعده يمنعانها من الاهتمام بشكلها الخارجي كما يجب، وإن كانت تحرص على أن تكون أنيقة.

تتابع شؤون البلدة وتمكنت من كسب ثقة الناس وحبهم (حسين بيضون)


تُميّز بين المرأة والرجل في العمل. "أنظر إلى هذه المكعّبات الإسمنتيّة المطليّة بأناقة، والتي وضعت في ساحة عاليه لمنع ركن السيارات. لو ترك الأمر للشباب، لاكتفوا بوضع أية عوائق حديدية. كلاهما يفيان بالغرض، إلا أن النساء أكثر حرصاً على الاهتمام بالتفاصيل".

يقول رئيس بلدية عاليه، وجدي مراد، لـ "العربي الجديد" إن "وجود امرأة كوهاب في المجلس البلدي يعدّ إضافة أساسية لعمل المجلس. تقود فريقاً مؤلّفاً من 62 موظفاً بنجاح". موقف يردّده أبناء عاليه في المجالس والشارع. يعرف الجميع أم عمر، وقد حفظوا صوتها الجهوري. أحياناً، يُبدي أصحاب المحال التجارية في سوق عاليه امتعاضهم بسبب تطبيقها القوانين، لكنهم يتهامسون بعد مغادرتها: "قوية بس منيحة".

المساهمون