ولكن الأمر اختلف في السعودية، إذ ترأس ولي العهد محمد بن سلمان اللجنة العليا لمحاربة الفساد التي أوقفت الشخصيات المذكورة، كما أنه بدلا من أن تجري المحاكمات ضمن مسار قضائي، لم يتم حتى الآن إعلان موعد للمحاكمات، كما لم يتسن إتاحة الفرصة للمعتقلين للدفاع عن أنفسهم.
وعلى الرغم من الإعلان عن التسوية التي تمت مع الأمير متعب بن عبدالله الرئيس السابق للحرس الوطني، لم يطلع محمد بن سلمان الشعب السعودي أو الرأي العام العالمي حول ماهية قضايا الفساد التي ارتكبها الأمير متعب والتهم التي وجهت إليه.
كما أن هذه الخروقات الواضحة للحريات لم تحرك جل الحكومات الغربية، عدا ألمانيا، كما لم تحرك جل الشركاء الغربيين من كبار المليارديرات لرجال الأعمال السعوديين المعتقلين للاحتجاج على أسلوب بن سلمان.
وهو ما يثير السؤال، أين شركاء الأمير الوليد بن طلال من كبار الأثرياء في أوروبا وأميركا وغيره من المعتقلين، الذين مدحوهم بالأمس وقالوا عنهم إنهم من أهم المستثمرين في العالم، لماذا لم يقفوا معهم أو لم تسمع منهم حتى الآن أية احتجاجات تذكر، أو حتى الدفاع عنهم في أي وسيلة من وسائل الإعلام الحرة في الغرب. سؤال مهم يكشف عن أخلاقيات عالم المال والتجارة الذي يبحث فقط عن مزيد من الدولارات ولا يتخذ موقفاً أخلاقياً؟
في هذا الصدد، يقول الكاتب تيلر كاوين في عموده بمجلة "بلومبيرغ" إن "ما يحدث من مساومات في السعودية أو ما يطلق عليه "الحرية مقابل المال" أحداث مقلقة، فالأعراف تقتضي أن يكون الأفراد أحراراً من مخاوف التهديد أو المصادرة العشوائية لممتلكاتهم من قبل الدولة أو اعتقالهم ومقايضة حريتهم بثروتهم، حتى وإن لم يجمعوا هذه الثروة بصورة نزيهة أو عادلة".
وبالتالي يرى كاوين، أن مثل هذه المصادرة العشوائية يجب أن تخيف المستثمرين الأجانب في السعودية وعامل سلبي يعيق تطوير القطاع الخاص في السعودية، لكنه يلاحظ أن العديد من المستثمرين الكبار ما زالوا يتلزمون الصمت إزاء الاعتقالات التي تخالف تماماً عرف القانون الدولي.
فالأمير الوليد مثلاً، شريك تجاري مهم في العديد من المؤسسات المالية، من بينها "سيتي غروب" و"تويتر" والمؤسسات الإعلامية التي يملكها روبرت ميردوخ وعائلته. ومعروف أن الوليد وقف مع مؤسسات ميردوخ في سنوات الشدة، حينما تم التحقيق معها في فضيحة التنصت الهاتفي التي عصفت بصحيفة "نيوز أوف ذي ورلد" البريطانية.
وحسب تقرير بقناة "سي إن بي سي" الأميركية، يرجع سبب صمت هؤلاء المليارديرات وأصدقاء الوليد، في خوفهم من خسارة شركاتهم للسوق السعودية، وهم عبر هذا السكوت، ربما يكسبون، حسب تقرير لقناة "سي إن بي سي" الأميركية، حصة من كعكة الاستثمارات السعودية المقبلة أو حتى حصة من طرح شركة أرامكو السعودية.
وحتى البيان الذي صدر عن الملياردير بيل غيتس، مؤسس شركة "مايكروسوفت"، كان ضعيفاً ومن الصعب قراءة أي دعم فيه للملياردير الوليد بن طلال.
لكن القناة تطرح كذلك سبباً سياسياً، وهو ربما يكون الأهم، وهو أن هؤلاء المليارديرات لا يريدون إغضاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المقربين من بن سلمان.
وقالت "سي إن بي سي"، إنه على الرغم من أن الأمير الوليد بن طلال، لم يكن في يوم ما ضد إسرائيل، إلا أنها لا تعتبره صديقا، وله بعض الانتقادات تجاه سياسة نتنياهو ضد الفلسطينيين. ولكن الأهم من ذلك هجومه اللاذع ضد دونالد ترامب أثناء ترشحه للانتخابات الرئاسية.
وعلى الرغم من أن الأمير الوليد قد لا يكون بُرّئ من تهم الفساد في بلاد، مثل السعودية التي نشأ فيها القطاع الخاص على العمولات والمتاجرة من الداخل والوكالات التجارية للشركات العالمية والحصول على العقود الحكومية، مثله مثل العديد من الأثرياء في السعودية، إلا أن التساؤل: أين حكم القانون وأين حقوق المتهم؟
ومعروف أن من الصعب أن يجمع رجل الأعمال السعودي ثروة ضخمة ما لم يكن واجهة لأمير متنفذ في الدولة، أو يحصل على غطاء سياسي من كبار الأمراء. ولكن عدم إعطائه الحق في الدفاع عن نفسه أو حتى إعلان تهم الفساد، يجب أن يكون حافزاً لأصدقاء الأمير الوليد في نادي المليارديرات بالدفاع عنه.
وحسب تقرير في صحيفة نيويورك تايمز، فإن الأدوات المستخدمة في جمع الثروة في السعودية لا بد أن تمر بالعائلة الحاكمة. وللذين عايشوا مجتمع الأعمال السعودي يعلمون تماماً، أنه من الصعب أن تصبح مليارديراً في السعودية بدون غطاء من العائلة الحاكمة.