تستعد واشنطن خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، لمعارك تشريعية في الكونغرس، والخشية أن ينعكس مسار عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلباً على مفاوضات التمويل الحكومي بين البيت الأبيض والديمقراطيين، ما قد يؤدي إلى إغلاق الحكومة الفدرالية في غضون ثلاثة أسابيع، أي عشية الأعياد نهاية العام الحالي.
للمرة الأولى في التاريخ الأميركي، تتزامن مفاوضات التمويل الحكومي مع إجراءات عزل الرئيس وتصويت مجلس النواب، أمس الخميس، على قرار يؤمن إطاراً رسمياً للتحقيق الجاري في إطار فضيحة أوكرانيا. وبالتالي، لا يمكن توقّع ما قد يحدث، لا سيما مع رئيس مثل ترامب يحول كل معاركه السياسية إلى معارك شخصية، كما أثبت لقاؤه العاصف الأخير حول سورية مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. التعثّر في التوصل إلى اتفاق بشأن التمويل الحكومي يعني بقاء مليوني موظف فدرالي بلا رواتب عشية موسم الأعياد، بمن فيهم موظفو الكونغرس. قد يميل ترامب إلى هذا الخيار لتعطيل الحكومة وإجراءات العزل، للضغط على الديمقراطيين للتراجع عن هذا المسار.
مشروع القرار الذي صوّت عليه الديمقراطيون أمس، حدد خريطة طريق إجراء التحقيق في عزل الرئيس، في تحوّل كبير لموقف بيلوسي التي كانت مترددة في إحالة هذه القضية إلى الجلسة العامة، لأن مشروع القانون يضع على المحك النواب الديمقراطيين المعتدلين في دوائر انتخابية متأرجحة، لأنه سيتم الحكم عليهم بناءً على سجل التصويت لعزل ترامب. وكان مجلس النواب قد أطلق قبل شهر مسار التحقيق في إمكانية وجود مقايضة غير قانونية قام بها ترامب، وتقضي باستمرار المساعدات العسكرية الأميركية لكييف مقابل تعاون السلطات الأوكرانية للتحقيق في شبهات محتملة حول تعيين نجل المرشح الرئاسي الديمقراطي ونائب الرئيس الأسبق جو بايدن (هانتر)، في مجلس إدارة شركة الغاز الأوكرانية "بوريسما". وبعد تعرض الديمقراطيين لانتقادات جمهورية تصف إجراءات العزل بأنها سرية، بادرت بيلوسي إلى طرح مشروع القانون على التصويت لإعطاء التحقيق بإجراءات العزل بعداً قانونياً يشرح هذا المسار، تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية للنظر فيه.
التداعيات الأولى لإقرار مشروع القانون في مجلس النواب، هو نقل جلسات الاستماع إلى الشهود من وراء أبواب مغلقة إلى النقل التلفزيوني المباشر على الهواء. هذا قد يعني أنه أصبح لدى الديمقراطيين ما يكفي من معطيات أن لديهم قضية قوية لإدانة الرئيس أمام الرأي العام في جلسات مفتوحة. مشروع القانون يمنح الجمهوريين كذلك حقّ الاطلاع على الوثائق المتعلقة بهذا التحقيق، لكنه يعطي أيضاً الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات القدرة على وضع فيتو على أي طلب جمهوري في هذا الخصوص. كما يعطي مشروع القانون الحق لمحامي ترامب بحضور جلسات اللجنة القضائية في مجلس النواب وتقديم الأدلة واستجواب الشهود.
في هذه الأثناء، يطغى التعثّر على المفاوضات بين البيت الأبيض والديمقراطيين في الكونغرس في ملف التفاوض الحكومي، وليس واضحاً بعد ما إذا كان سيتم التوصل إلى مخرج قبل الموعد النهائي في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تمّ إغلاق الحكومة ووقف رواتب 40 في المائة من الموظفين الفيدراليين. وبحسب الدستور الأميركي، يستمر دفع رواتب أعضاء الكونغرس حتى خلال الإغلاق الحكومي، لا سيما أن إجراءات العزل تعتبر مهمة دستورية، وبالتالي يحق لأعضاء الكونغرس تحديد أن مساعدة بعض موظفيهم ضرورية لإجراءات العزل، وذلك لاستثنائهم من التجميد التلقائي في الرواتب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول التمويل الحكومي.
معركة التمويل الحكومي قد تطغى على إجراءات العزل في الأسابيع المقبلة، وهذا على الأرجح ما يريده ترامب، لا سيما أن إغلاق الحكومة يضر أكثر بالديمقراطيين، لأن جزءاً كبيراً من الموظفين الفدراليين هم ليبراليون. الإغلاق الحكومي نهاية العام الماضي كان مرتبطاً بإصرار ترامب على تمويل الجدار العازل مع المكسيك. هذه المرة تفادي إغلاق الحكومة سيعتمد مرة أخرى على قدرة القيادات الجمهورية في الكونغرس على إقناع ترامب بأن هذه الخطوة ليست لصالح البيت الأبيض. يحق للرئيس ضمن الدستور عدم التوقيع على أي قانون للتمويل الحكومي إذا لم يتضمن بنوداً لتمويل قضايا يعتبرها البيت الأبيض رئيسية، مثل تمويل الجدار مع المكسيك. اتخاذ مثل هذه الخطوة يصرف الأنظار عن إجراءات العزل، وهذا تحديداً ما يريده ترامب في ظل التقدّم المستمر في تحقيقات إجراءات العزل التي تستهلك حالياً كل تركيز العمل التشريعي في الكونغرس. والسيناريو الأفضل قد يكون التوصل إلى هدنة، أي تمويل حكومي مؤقت حتى نهاية العام الحالي، أو حتى شهر فبراير/ شباط المقبل، وبالتالي إعطاء فرصة لتأجيل أي إغلاق محتمل للحكومة، حتى تتوضح صورة المعارك المعنية بإجراءات العزل.