تعيش أروقة الوزارات المصرية المختلفة أجواء ترقب للتعديلات الحكومية المتوقع أن تتزامن مع أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية لبدء ولايته الرئاسية الجديدة، والمقرر أن يتم قبل 8 يونيو/ حزيران المقبل. وتداولت قيادات الصفين الثاني والثالث في عدد من الوزارات المهمة والخدمية معلومات عن بدء الدائرة الخاصة بالسيسي عملية فحص السِير الذاتية والمالية لمسؤولين أمنيين وقضائيين وحكوميين ومدراء تنفيذيين، بواسطة هيئة الرقابة الإدارية، ما يعني أن العمل جارٍ على تكوين قوائم بأسماء المرشحين لتولي الوزارات المرشحة للتغيير، وعلى رأسها الداخلية والعدل، حسبما نشرت "العربي الجديد" مطلع الشهر الحالي.
واللافت أن مسألة تغيير رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، بدأت تجد طريقها إلى أوساط البرلمان وديوان مجلس الوزراء، بعدما كانت مستبعدة حتى الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أن المسؤولين كانوا يلاحظون ضعف أداء إسماعيل وتراجع مجهوده، حتى بعد عودته من رحلته العلاجية الناجحة، مطلع العام الحالي، إلّا أن السيسي والمقربين منه، وعلى رأسهم مدير مكتبه عباس كامل، كانوا يؤكدون دائماً دعمهم لبقاء إسماعيل. وعلى أساس هذا الأمر، كان الحديث الرائج يقتصر على إجراء تعديل حكومي يمس حقائب حساسة فقط.
لكن مصادر حكومية مطلعة كشفت أن عباس كامل لمّح، خلال الأسبوعين الماضيين، لعدد من المسؤولين الذين التقاهم على هامش اجتماعات في قصر الرئاسة، بأن السيسي يميل لتغيير رئيس الحكومة، وأن إسماعيل سيكون له دور بعد رحيله، لكن بما يناسب حالته الصحية وخبراته، تماماً كما حدث مع سلفه إبراهيم محلب الذي يتولى حالياً منصب مستشار السيسي للمشروعات القومية ويترأس لجنة استرداد أراضي الدولة. ويتقاطع ما نقل عن كامل مع معلومات سبق ونشرتها "العربي الجديد" على لسان مصادر أخرى، رجحت أن يتم تعيين إسماعيل بعد إيجاد بديل مناسب له، مستشاراً للسيسي لشؤون الطاقة ومفوضاً لمتابعة الإجراءات التعاقدية مع شركات الاستكشاف الأجنبية الكبرى. لكن المسألة على ما يبدو لا تتعلق برغبة السيسي فقط، بل تتعلق أيضاً بالمظهر العام للنظام وطبيعة البديل المطلوب، إذ تشير المصادر إلى أن "السيسي كان يفضل أن يستقيل إسماعيل من منصبه، حتى لا يبدو وكأنه يبعده عن السلطة لأسباب صحية، لكن هذا لم يحدث، ولم يضع إسماعيل استقالته تحت تصرف السيسي بعد عودته من الرحلة العلاجية".
ومن جهة أخرى، ما زال السيسي يفاضل بين عدة أسماء لخلافة إسماعيل، فهو من جانب لا يريد إسناد المنصب لشخصية عسكرية، أو لأي شخصية كاريزمية حتى يسهل توجيهه ويكون أكثر تحملاً وصمتاً تجاه أي هجوم إعلامي أو سياسي محتمل، ومن جانب آخر يريد شخصية على دراية بالتفاصيل الاقتصادية المعقدة، وألّا ينقصه النشاط الوفير والقدرة على بذل المجهود البدني، كما يكون أقدر على متابعة الملفات الفنية، التي كان السيسي يحرص على متابعتها بنفسه، مثل ملفات مشروعات الإسكان والزراعة والإنشاءات الجديدة والتنسيق مع الجيش، وهي ملفات كان السيسي يتدخل لإدارتها بشكل مباشر منذ إقالة حكومة إبراهيم محلب في خريف 2015.
وتوضح المصادر أن تلميحات كامل انتقلت على الفور إلى كواليس الوزارات الرئيسية، فبدأ كل وزير طامح لخلافة إسماعيل في تكثيف ظهوره إعلامياً، أو تحريض الإعلاميين المقربين منه لشن حملات على منافسيه، أو نشر أخبار عن استبعادهم من الحكومة في التعديل الجديد. كما انخرطت بعض الأجهزة الأمنية في هذه الأعمال عبر وسائل الإعلام المقربة منها، إذ تعرض كل من وزير الإسكان والقائم بأعمال رئيس الوزراء خلال علاجه، مصطفى مدبولي، ووزير الشباب والرياضة، خالد عبد العزيز، لحملات من هذا النوع عبر صحف "اليوم السابع" و"الدستور" و"البوابة" المعروفة بقربها من أجهزة سيادية وأمنية مختلفة.
وتؤكد المصادر أن مدبولي وعبد العزيز هما فرسا الرهان البارزان لخلافة إسماعيل، من داخل الحكومة، فكلاهما تربطه علاقة قوية بالسيسي، والأول أصبح على علاقة وطيدة بالدول المساعدة لمصر، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، بسبب إشرافه على أعمال العاصمة الإدارية الجديدة والمنتجعات الجاري إنشاؤها شرق القاهرة، كما كان لافتاً اصطحاب السيسي له خلال مشاركته بالقمة العربية الأخيرة، رغم أنه ليس نائباً رسمياً لرئيس الوزراء. أما عبد العزيز، فسبق ونجح في جميع الملفات التي أسندت إليه، وعلى رأسها تطوير مراكز الشباب وإدارة انتخابات الأندية بصورة تضمن سيطرة النظام عليها، وتوسيع محاور استثمار دول الخليج رياضياً في مصر، فضلاً عن قدرته على ضمان استقرار اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية، وعلى رأسها اتحاد كرة القدم، رغم المعارضة الواسعة للوائح التي وضعتها اللجنة برعاية الوزارة. وخلف الإثنين، ما زالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر تحاول الترويج لنفسها كمرشحة لرئاسة الوزراء، مستغلة علاقاتها الجيدة بمجتمع البنوك والبورصة وبالحكومات الخليجية والمستثمرين، وخصوصاً أنها تتمتع بقبول في الأوساط الإعلامية، ومدعومة أيضاً من مستشارة السيسي للأمن القومي فايزة أبو النجا.