ساراييفو تنتخب: أحلام استقلالية... و"داعش" وبوتين أيضاً

12 أكتوبر 2014
صرب البوسنة يرغبون بالاستقلال عن ساراييفو (طلعة أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -

بلغة الرياضة، تُلقّب جمهورية البوسنة والهرسك (استقلّت عام 1992 عن يوغوسلافيا السابقة) بـ"التنين". هذا في الرياضة. أما في الواقع فإن البلاد ليست "تنيناً" يُمكنه الخروج من ماضٍ بائس عاشته طيلة مرحلة الحرب الأهلية التي عصفت بيوغوسلافيا السابقة (1992 ـ 1995).

كانت البوسنة والهرسك، بمثابة القنبلة الفعلية في منطقة البلقان، التي انعكس استقرارها أو انفجارها، على البوابة التي تربط الشرق الآسيوي بالغرب الأوروبي، دينياً وسياسياً وجغرافياً.

خرجت البوسنة من الحرب باتفاق هشّ. اتفاق "دايتون" الموقّع في العام 1995، الذي وزّع السلطات بين ثلاثة مكوّنات أساسية في الجمهورية الوليدة؛ الكرواتي والبوسني والصربي. اتفق الكروات والبوسنيون، لضرورات جغرافية واقتصادية على التلاحم ضمن كيان واحد بعشر كانتونات في قلب البوسنة، بينما شكّل الصرب كياناً خاصاً بهم في البلاد، كُني بـ"جمهورية صربسكا".

ومنذ أن انتظمت البلاد في انتخابات تشريعية وعامة، معقّدة بعض الشيء، لم تتمكن من الخروج من تأثيرات الحرب. ويشهد على ذلك، مأزق التفاعل المؤسساتي الهزيل بين مختلف أركان جمهورية الـ51.129 كيلومتراً مربّعاً. ويكرّس توجّه نحو 3.3 ملايين بوسني، اليوم، لانتخاب مجلس رئاسة وبرلمان جديد مساوئ نظام ظنّ واضعوه أنه أفضل الحلول. وهنا كل الحكاية.

وتُعدّ انتخابات هذا العام صعبة في البوسنة، لسببين. يتمثّل الأول في الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في فبراير/شباط الماضي، والتي لم تهتمّ بها لا أوروبا ولا العالم، على الرغم من أن أهدافها محقة في ضرورة معالجة الأزمة الاقتصادية ومكافحة الفساد، لتبقى محصورة في شوارع ساراييفو وزوايا موستار، في وقتٍ توقّع فيه البعض أن تضخّ شرايين أوروبا بنوع من "ربيع" متجدد.

السبب الثاني يأتي من صرب البوسنة، الذين أبدوا رغبتهم في نيل استقلالهم عن ساراييفو، مستشهدين باستفتاء اسكتلندا في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، واستفتاء كاتالونيا الإسبانية المقرر اجراؤه في 9 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفقاً لما أعلن رئيس "جمهورية صربسكا"، ميلوراد دوديك. وهو الوضع الذي قد يُطيح بالحكم الضعيف في البوسنة، على اعتبار أن توزّع الصلاحيات بين الكيانين والرؤساء الثلاثة، شتّت القوة المركزية للسلطة.

دوديك، الذي أدرك أن هزيمة الاستقلال الاسكتلندي وعدم شرعية استفتاء كاتالونيا (رفضت المحكمة العليا الإسبانية الاعتراف بشرعية الاستفتاء الكاتالوني)، قد يجرّان إلى حلّ من اثنين لجمهوريته: إما المزايدة بغرض كسب المزيد من الصلاحيات الدستورية، على الرغم من أن جمهوريته تبدو أكثر استقلالية من معظم أقاليم الحكم الذاتي في العالم وأقلّ بدرجة من المفهوم الاستقلالي الكامل، وإما أن يلوذ بالصمت قليلاً. وهو ما لن يفعله على الأرجح بعد انتشار مجموعة صور له، تضمّه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكأنه يلوّح بشبه جزيرة قرم أخرى، أو بلوغانسك ودونيتسك جديدتين.

ومع أن دوديك يبدو مرتاحاً، غير أن الرئيس البوسني ضمن المجلس الرئاسي، بكر عزت بيغوفيتش، ليس في وارد السماح لـ"صربسكا" بالتحرّك شرقاً نحو روسيا من دون ردّ، فحسم باكراً في مايو/أيار الماضي ولاءه، معتبراً أن "(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان زعيمٌ لكل مسلمي العالم، لا تركيا فقط". وذلك بعد أن قدمت أنقرة النجدة لساراييفو في أسوأ فيضانات شهدتها البلاد.

أما الكروات فيبدون هادئين حتى الآن، كون 60 في المائة من البوسنة بالذات، محاطة بكرواتيا، التي تُعتبر امتداداً طبيعياً لهم ومعبراً نحو الغرب الأوروبي وبحر الأدرياتيك.

لكن على انتخابات اليوم أن تلحظ أمرين: ارتفاع نسبة البطالة في البلاد إلى 44 في المائة، ووقوع نحو 18 في المائة من السكان تحت خط الفقر، في ظلّ معدّل أجور لا يتجاوز الـ524 دولاراً شهرياً. وبوجود مثل هذه الأرقام ووسط بيئة بلقانية حذرة وشرق مجنون، سأل الأميركيون عن امكانية تجنيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لعناصر بوسنية محترفة ومدرّبة خاضت حروب يوغوسلافيا والتطهير العرقي وشهدت على حصار ساراييفو، ويسأل الأميركيون عن ماهية دور العناصر في سورية والعراق.

 

المساهمون