ساحة الفنا.. بين الفرجة وقهر الزمن

28 يونيو 2016
(ساحة الفنا، تصوير: زو سانشيز)
+ الخط -

تُعتبر ساحة جامع الفنا في مدينة مراكش المغربية من بين أغرب الساحات عبر العالم، والتي خطفت قلوب زوارها بما تقدمه من فرجة ومتعة، واستقبلت جنسيات وديانات ولغات مختلفة، فهي الساحة التي صنفت ضمن روائع التراث الشفوي للإنسانية من طرف منظمة اليونيسكو عام 2001، وقال عنها كوتشيرو ماتسورا المدير العام لليونيسكو "جامع الفنا لها حضور ثقافي وحضاري على امتداد عميق في التاريخ، حضور جسد قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان".

إلا أن حال روادها ليس على ما يرام، ومعاناتهم لا تكاد تنتهي، سواء تعلق الأمر بالقدماء أو الجدد من الشباب الذين وجدو أنفسهم في هذه الساحة بعد أن فشلوا في الحصول على عمل آخر، خصوصاً أن مدينة مراكش تعتبر من بين المدن السياحية، واقتصادها قائم على السياحة دون غيرها، ما يجعل فرص العمل ضئيلة بالمقارنة مع باقي المدن.


فرجة وقهر
في ساحة جامع الفنا، يفقد الوقت مفهومه الكلاسيكي ويدفعك للغوص في عوالم مختلفة، والعروض المقدمة تأخذك في رحلة عبر التاريخ لتستكشف جزءا من الموروث التاريخي لهذه الرقعة. فعلى امتداد هذه الساحة، يتم تنظيم تظاهرات موسيقية ضخمة، وعروض مسرحية وسينمائية في الهواء الطلق ويتم سرد حكايات شيقة تثير إعجاب سامعيها.

وبقدر فرح الزوار بما تقدّمه لهم الساحة من متعة، بقدر ما يحس شباب هذه الساحة بالقهر أمام واقع مرير ومستقبل مجهول تغيب معه رؤيا واضحة حول ما قد تأتي به الأيام، حسب قول رضا (20 عاماً) في حديثه لـ "جيل العربي الجديد" والذي ترك فصول الدراسة مبكراً ليلتحق بركب العاملين في الساحة لعله يتدبر قوت يومه وأسرته المكونة من أم وإخوة وأخوات وأب مقعد غير قادر على العمل.

يضيف: "أتمنى أن تتغير الظروف وأن أحصل على عمل يحفظ كرامتي ويكفيني شر نظرات الاحتقار التي تلاحقنا في هذه الساحة، فالناس لم يعودوا يفرقون بين من يشحذ ومن يبيع الفرجة ببضعة دراهم".


مصير مجهول
يقول آيت لحسن، وهو من بين الفنانين المعروفين في الساحة، في حديثه لـ"جيل العربي الجديد" إن "المعاناة هنا لا تنتهي، فجميع رواد الساحة يعانون من مشاكل اجتماعية واقتصادية خانقة، حتى أن بعضهم غادر الساحة في اتجاه مناطق أخرى، خصوصاً الأسواق الأسبوعية، أو هجر هذه المهنة واختار عملا آخر، ورسالتي للشباب هي الابتعاد عن الساحة واختيار مسار مهني آخر يحفظ كرامتهم ويوفر لهم لقمة عيش يسيرة".

العديد من الأشخاص كانوا يشتغلون في الساحة لسنوات طويلة جداً وأعطوا الشيء الكثير وأمتعوا زوارها بعروضهم التي ذاع صيتها بين سكان المدينة ومدن أخرى، لكن اليوم خانهم الزمن بعد أن تقدموا في السن، وتملّك المرض أجسادهم، وأصبحوا غير قادرين على العمل وأنهكهم الفقر والتهميش، فأغلبهم "يفترش الأرض بين الأزقة المجاورة للساحة، يمد يده للمارة لعلهم يجودون عليه بدريهمات" يقول آيت لحسن ويضيف

"أبسط ما يمكن أن يُقدم لهؤلاء هو تخصيص راتب بسيط يوفر لهم أساسيات العيش بكرامة دون ما الحاجة لمد اليد للغير، فقد أفنوا شبابهم في خدمة هذه الساحة وفن الحلقة".


نظرة السياح
نظرة السياح إلى ما يقدمه رواد الساحة لا تخلو من إعجاب، فتجدهم يرقصون ويغنون على أنغام مختلفة بأصوات شبابية، ويستمتعون بوصلات فكاهية، وهو الشيء الوحيد الذي يحفز هؤلاء على الاستمرار والعطاء، رغم الشائعات التي تجد طريقها لمسامع السياح المغاربة والأجانب حول "الحلايقي"؛ ما يعكر مزاج هذا الأخير الذي يستنكر ما يُنشر على بعض المواقع.

يقول لحسن في حديثه لـ"جيل العربي الجديد": "أصبح السياح يحتقروننا حين نطلب منهم مقابلا للفرجة التي نقدمها، فأكثر من مرة قال لي سياح أجانب ومغاربة إنهم يعلمون بالراتب الذي نتقاضاه من الدولة مقداره 300 دولار ويصفوننا بالنصابين، فنحن لا نعلم شيئاً عمّا تم تداوله على الإنترنت من أكاذيب؛ ونحن لا نتقاضى أي شيء غير ما تجود به قلوب بعض المتفرجين".


رحلة البحث عن الاعتراف
إبراهيم حمالتة، نائب رئيس جمعية الأصالة لشيوخ الحلقة الأمازيغية وتراث ساحة جامع الفنا، فنان شارك في عدة أعمال أمازيغية إلى جانب عدد كبير من الفنانين الأمازيغ، وترأس الوفد الذي سافر إلى فرنسا من أجل حضور مراسيم إعلان ساحة جامع الفنا ضمن روائع التراث الشفوي للإنسانية من طرف منظمة اليونيسكو سنة 2001.

يقول حمالتة لـ"جيل العربي الجديد": "في السابق كان للساحة حرمة؛ فليس كل من هبّ ودبّ يمكنه أن يصبح حلايقيا، فهذا فن قائم بذاته لا يتقنه الجميع، وهنا ظهر عدد كبير من الفنانين وكانت الفرجة والمتعة بمعناها الحقيقي، أما اليوم فقد أصبحنا نعاني من المتطفلين ونجد صعوبة بالغة في إيجاد مساحة للعمل مع ارتفاع أعداد الباعة الجوالين وسط الساحة ومعهم بائعو السجائر، وحين نطلب منهم أن يتركوا لنا مساحة للعمل نتعرض للسب والشتم ويهددوننا بالضرب".

يضيف: "نطلب من السلطة أن تتدخل لتنظيم الساحة وأن توفر لنا الأمن، فنحن لا نطالب بمنع هؤلاء من العمل إنما بتوزيعهم بشكل منظم حتى نتمكن من الاشتغال بكل أريحية، وبذلك احترامنا والاعتراف بما نقدمه لهذه الساحة طيلة عقود".

المساهمون