على الرغم من الانتقادات التي طاولت مشاركة الأطفال في برامج المواهب الغنائية العربية، يصرُّ بعض المنتجين على إدخال الأطفال أنفسهم في متاهات، تكونُ خارج اهتمامهم، وتُشكّل حالة تبعِد الأطفال عن الموهبة الغنائية التي يتمتعون بها، وتضعهم أمام مفترق خطر، قد يفقدون من خلاله براءة الأطفال، أو قد تتنافى مع مرحلة ما بعد الطفولة، وهي المرحلة المهمّة في تشكيل الشخصية الحقيقية لهم. وكانت الفنانة السورية أصالة نصري، أوَّل من نادت بالتصدَّي لمَن يسعون لاستغلال الطفولة في برامج الغناء. وردّت أصالة على ذلك بتغريدة خاصة، إذ تساءلت عن المغزى من توظيف الأطفال في بعض البرامج الفنية.
قبل يومين، أصدرت شركة "أنغامي"، الخاصة بتحميل وتنزيل الأغنيات العربية، أوَّل أعمال الطفل السوري زين عبيد، الذي شارك في الموسم الماضي من برنامج "فويس كيدز" وحقق تقدُّماً لافتاً، بعدما حصد أكبر حملة تضامن معه على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب موقف تحول من المزاح إلى الجد. إذ طلب بعض مُستخدمي الإنترنت أن يهدي الناس الفروج لزين عبيد بدلاً من التصويت له. واعتبر البعض أن هذا المزاح هو نوع من العنصرية تجاه الفتى البدين الذي صبَّ اهتمامه على الفوز والنجاح في البرنامج. لكن، يبدو أن زين عبيد، المُقيم بين بيروت ودبي، يعتزم قريباً إصدار أول أعماله الغنائية كاملة في ألبوم يستعد له. فيما لم تعرف من هي شركة الإنتاج التي ستتولّى توزيع العمل الجديد.
"صباح النور اللي جايي"، أغنية وطنية جيدة في إطارها الإنساني الذي يدعو للمحبة والبعد عن العنصرية، إذ تتماشى الأغنيّة مع الواقع العربي الذي نعيشه جميعاً. يؤدي زين عبيد الأغنية بتلقائية، صوته مطواع، وأداؤه مُحترف. والمؤكّد أن عبيد لن يفهم كثيراً معنى المفردات التي كتبها مازن ضاهر، ولحنها فضل سليمان، ووزعها موسيقيّاً هادي شرارة، نظراً للخيال الذي استعمله الكاتب، أو للمعاني المجازية في رسم صورة ضد العنصرية في العالم. صُورٌ قد تكون صعبة حتى على من هم أكبر سنّاً من عبيد. وتبتعد كل البعد عن اهتمامات الطفولة التي يجب أن تشغل بال زين عبيد اليافع.
ثمَّة أسئلة كثيرة تطرحها الأغنية التي تحمل رسائل عديدة في سبيل نشر المحبة في العالم، وضرورة اتساع دائرة التآلف بين الشعوب، وذلك دون الإشارة إلى دور الطفولة الذي كان يجب أن يكون موجودًا، لأنّ المؤدّي طفل خطف الضوء في برنامج للمواهب. لكن الواقع يثبت أن المشرفين على احتراف زين عبيد للغناء أو المنتجين، وهو في هذه السن المُبكرة جداً، يبتعدون عن الاهتمام بتطلعات هذا الطفل وميوله الغنائية، وتزويده بجرعات تتناسب ووضعه في الخانة المناسبة، بعيداً عن الوعظ المترجم في بعض الكلمات الواردة، والتي تظهر أحياناً بشكل متكلف جداً وأسلوب غنائي يعتمد على نمطية أقرب إلى التنظير الذي يريد أن نسمعه افي المناسبات الوطنية أو حتى الإنسانية. يأتينا هنا صوت طفل يسعى للنجومية والكسب المالي بشتى الوسائل، وذلك لتعزيز صورته التي ابتعدت هذه المرة أيضاً عن وجه الطفولة، واتجهت إلى مزيد من الاستثمار في أطفال سورية المهجرين، أو الباحثين عن فسحة بسيطة لنسيان الحرب والتهجير، ولو حملوا موهبة غنائية لا تزال بحاجة إلى كثير من الوقت كي تنضج بشكل حقيقي.