روسيا والغرب..عامان من حرب العقوبات الاقتصادية

26 يوليو 2016
الروبل أكبر المتضررين من الأزمة الروسية (Getty)
+ الخط -
واجه الاقتصاد الروسي على مدى عامين كاملين أزمة اقتصادية خانقة ناجمة عن الصدمتين الخارجيتين في آن معاً، والمتمثلتين بهبوط أسعار النفط، والعقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب ضم شبه جزيرة القرم والوضع في أوكرانيا، وأيضا رد روسيا بحظر استيراد المواد الغذائية من الدول الغربية.
وبحسب تقارير اقتصادية، فإن حصة العقوبات في تراجع إيرادات الميزانية الروسية لم تكن كبيرة، بينما كان لتراجع أسعار النفط التأثير الأكبر على الاقتصاد الروسي. ومع ذلك، كان للحظر الغذائي الروسي تأثير كبير على المواطن العادي، لأنه أدى إلى نقص المعروض، مما ساهم في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 11.4% في عام 2014 و12.9% في عام 2015، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008، ما يعني في الواقع تضخماً بنسبة تقارب الربع خلال عامين.

تعافي الاقتصاد الروسي

بعد عامين من أزمات متواصلة، تدل المؤشرات الأخيرة على أن الاقتصاد الروسي بدأ يتكيّف مع الواقع الجديد، كما استقر معدل التضخم نسبياً خلال الأشهر الماضية عند مستوى لا يزيد عن 7.5% على أساس سنوي، مما أتاح للبنك المركزي الروسي خفض الفائدة الأساسية من 11% إلى 10.5% لأول مرة منذ أغسطس/آب 2015.
واستقر سعر صرف العملة الروسية الروبل عند مستوى 63 روبلاً للدولار، بعد أن تجاوز الدولار حاجز الـ 80 روبلاً في بداية العام. وللمرة الثانية خلال شهرين، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لأداء الاقتصاد الروسي، متوقعاً تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.2% فقط في عام 2016، وذلك مقابل 1.8% و1.5% بحسب التوقعات السابقة، ومع الإبقاء على التوقعات بنموه بنسبة 1% في عام 2017.
ويشير كيريل كوكتيش، أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، إلى أن روسيا تمكنت من الحد من تأثير العقوبات عن طريق تنويع علاقاتها الاقتصادية وبشكل خاص مع الصين.
ويقول كوكتيش لـ "العربي الجديد": "تمكنت روسيا من استبدال معظم وارداتها التقنية من الدول الغربية بأخرى من الصين. ويبقى لها توفير بدائل للواردات في مجال التكنولوجيا المتقدمة لأغراض مدنية، بينما تعتمد روسيا على نفسها في التكنولوجيا العسكرية".


ومنذ صيف 2014، بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي، لتشمل عدداً من شركات النفط والمصارف الروسية الكبرى. وتمثلت العقوبات في فرض قيود على الإقراض وحظر توريد تكنولوجيا استخراج النفط في منطقة القطب الشمالي والنفط الصخري والحفر على أعماق كبيرة، والتكنولوجيا العسكرية وغيرها.
وكان القطاع المصرفي الروسي من أول المتضررين جراء العقوبات، إذ تراجع إجمالي أرباح البنوك الروسية بمقدار ثلاثة أضعاف في عام 2015، ليبلغ نحو 3 مليارات دولار فقط، بالإضافة إلى تعثر أكثر من 100 مصرف، من بينها حالات فردية لسحب تراخيص مصارف ضمن الـ100 أكبر مؤسسة ائتمانية.
وتشير الخبيرة بشركة "ألباري" للتداول، ناتاليا ميلتشاكوفا، إلى أن أزمة القطاع المصرفي تعود بالدرجة الأولى إلى تعذر الحصول على التمويل من الخارج بسبب العقوبات.

وتقول ميلتشاكوفا لـ "العربي الجديد": "واجهت الشركات والمصارف الروسية مشكلة التمويل بعد إغلاق أسواق الاقتراض الدولية أمامها وسط تعهدات بالوفاء بدفعات القروض السابقة. وواجهت المصارف أيضاً تراجع الطلب على القروض جراء الأزمة الاقتصادية بشكل عام. ومع ذلك، لم تسفر العقوبات عن تعثر أي من أكبر الشركات أو المصارف في روسيا".
وحول أسباب انخفاض تأثير تذبذب أسعار النفط على الاقتصاد الروسي، تضيف: "تمكنت روسيا من تنويع مصادر إيرادات الميزانية عن طريق زيادة حصة الصادرات غير النفطية مثل المعادن والقمح والماكينات وغيرها".
وتوضح الخبيرة المالية الروسية أن انهيار قيمة الروبل جاء بالدرجة الأولى نتيجة لهبوط أسعار النفط وليس العقوبات، مشيرة إلى أن الروبل عملة "نفطية" وسبق له أن فقد أكثر من 40% من قيمته جراء الأزمة المالية العالمية وانهيار أسعار النفط في عامي 2008 و2009 رغم عدم فرض أي عقوبات في ذلك الوقت.
وتراجع سعر صرف الروبل آنذاك من 25 روبلاً للدولار في سبتمبر/أيلول 2008 إلى 36 روبلاً للدولار في بداية عام 2009، إلا أنه على عكس الأزمة الحالية، تعافت أسعار النفط بسرعة في ذلك الوقت، ما أتاح للروبل أن يستقر عند مستوى قرابة 30 روبلاً للدولار.

الرد الروسي

ردّت روسيا على العقوبات الغربية بفرض حظر على استيراد المواد الغذائية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا والنرويج، ثم وسعت هذه القائمة لتشمل ألبانيا والجبل الأسود وإيسلندا وليختنشتاين وأوكرانيا. وازدادت مخاطر التضخم أيضاً بعد حظر استيراد المواد الغذائية من تركيا على خلفية حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية في نهاية العام الماضي، ولكن موسكو وأنقرة بدأتا بتطبيع العلاقات الاقتصادية بينهما بعد اعتذار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن الواقعة.
ومع ذلك، تشير ميلتشاكوفا إلى أن حظر استيراد المواد الغذائية ساعد روسيا في زيادة إنتاجها من المواد الغذائية والمنتجات الزراعية.

وأكد كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين، مراراً أن الحظر الغذائي ليس مجرد إجراء جوابي، وإنما أيضاً دعم للمنتجين المحليين.
ولم تسلم بلدان الاتحاد الأوروبي هي الأخرى من التداعيات السلبية لحرب العقوبات الاقتصادية مع روسيا. وبحسب تقرير فرنسي صدر مؤخراً، كلف تراجع التجارة مع روسيا الدول الغربية 60 مليار دولار، بلغت حصة ألمانيا فيها 27% أو نحو 832 مليون دولار شهرياً، بينما بلغت حصص الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في الخسائر 0.4% و5.6% و4.1% على التوالي، بالإضافة إلى 450 مليون دولار خسائر لأوكرانيا.
وبعد اتفاق دول الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات الاقتصادية بحق روسيا وتوقيع بوتين على مرسوم تمديد الحظر الغذائي، ستدخل حرب العقوبات بين روسيا والغرب عامها الثالث، لتتحول إلى واقع جديد يدفع الطرفان فيه فاتورة خلافاتهما السياسية.
وبدأت الخلافات بين موسكو والدول الغربية بضم شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية في مارس/آذار 2014. إلا أنها تفاقمت بعد تصاعد وتيرة أعمال القتال في منطقة دونباس الموالية لروسيا والواقعة شرق أوكرانيا، ما أدى إلى فرض العقوبات وقطع الاتصالات العسكرية بين موسكو وحلف الناتو وتراجع الاتصالات السياسية إلى أدنى مستوى.
يذكر أن الاقتصاد الروسي واجه على مدى عامين أكبر أزمة اقتصادية منذ عام 1998، وتمثلت الأزمة في انكماشه بنسبة 3.7% في العام الماضي، وانهيار قيمة الروبل من 33 روبلاً للدولار إلى أكثر من 60 روبلاً حالياً، وزيادة نسبة الفقراء، وتآكل الاحتياطات الدولية الروسية من أكثر من 470 مليار دولار في منتصف عام 2014 إلى نحو 370 ملياراً في يناير/كانون الثاني الماضي.
إلا أن تعافي أسعار النفط واقترابها من المستوى المعتمد في الميزانية الروسية (أي 50 دولاراً للبرميل)، دفع بهذه الاحتياطات نحو الارتفاع إلى 394 مليار دولار بحلول الشهر الجاري، شأنها في ذلك شأن المؤشرات الاقتصادية الأخرى.
المساهمون