روسيا تنتقم للنظام ولسوتشي من السوريين: "الارتجاجية" لإزالة الغوطة

05 يناير 2018
دمار جراء الغارات على مدينة عربين بالغوطة الشرقية (الأناضول)
+ الخط -
يتجّه المشهد العسكري في الغوطة الشرقية لدمشق إلى مزيد من التصعيد والتأزيم إثر انخراط المقاتلات الحربية الروسية إلى جانب قوات النظام في المعارك المحتدمة، منذ أسبوع في مدينة حرستا، مع قوات المعارضة التي كبّدت قوات الأسد خسائر فادحة، وحاصرت أهم مقرات النظام العسكرية في شرقي دمشق. وتؤكد المعارضة السورية، أن اتفاقات التهدئة في الغوطة الشرقية وفي إدلب شمال غربي سورية باتت بحكم المنتهية، إثر استئناف الروس مهمة القتل وارتكاب المجازر الجماعية بحق السوريين. وتبدو روسيا، من موقع توليها ارتكاب أكبر المجازر هذه الأيام في سورية، وكأنها تنتقم لخسائر النظام في خاصرة دمشق أولاً، ولنفسها ثانياً، على صعيدين: الأول هو تكبدها خسارة كبرى في استهداف قاعدتها العسكرية في حميميم قبل أيام، والثاني نتيجة الرفض بالإجماع من قبل المعارضة السياسية والمسلحة للمشاركة في مؤتمر سوتشي الذي تريد موسكو عقده، في نهاية الشهر الحالي، مع عنوانين اثنين تود إنهاء الحرب من خلالهما: فرض مسودة دستور جديدة على السوريين، وفرض موافقة المعارضة على انتخابات شكلية تبقي بشار الأسد في الحكم، وتطعّم برلمانه وحكومته بوجوه معارضة لا تمسّ بجوهر نظام الأسد.

ولا تبدو روسيا عابئة بأي ضغط خارجي نتيجة مجازرها المتلاحقة في سورية، ولا داخلياً كذلك، بما أن المعارضة، بإجماع نادر، رفضت حضور مؤتمر سوتشي، وهو ما يؤدي ربما إلى إلغائه مثلما تم إرجاءه سابقاً، أو بأفضل تقدير عقده بوجوه يدرك العالم والسوريون أنها لا تمثّل شيئاً من الشارع السوري المعارض.

وواصلت قوات النظام والطيران الروسي المساند لها سياسة "الأرض المحروقة" في الغوطة الشرقية رداً على هزيمتها أمام قوات المعارضة السورية أخيراً، حيث حاصرت "إدارة المركبات" العسكرية التي يوجد داخلها أكثر من 300 من قوات النظام بينهم ضباط، وفق مصادر في المعارضة. وذكر ناشطون، أن المعارك محتدمة في محيط "المركبات"، مشيرين إلى أن قصف الطيران الروسي لم يهدأ على مدن وبلدات الغوطة، أمس الخميس، موقعاً العشرات من المدنيين قتلى ومصابين. وقتل 6 مدنيين بينهم 3 أطفال من عائلة واحدة تم انتشالهم من تحت الأنقاض، وأصيب آخرون جراء قصف جوي لطائرات روسية بغارات عدة محملة بصواريخ ارتجاجية تسببت بانهيار مبنى سكني فوق رؤوس ساكنيه، مساء الأربعاء، وسط مدينة عربين في الغوطة الشرقية بريف دمشق. كما قتلت الصواريخ الارتجاجية الروسية وأصابت العشرات، مساء الأربعاء، في بلدة مسرابا بالغوطة الشرقية، حيث أكّد ناشطون مقتل 19 شخصاً بينهم 11 امرأة وطفل ومتطوّع في صفوف فرق الدفاع المدني.

وأوضح مصدر في الدفاع المدني في ريف دمشق أن الحصيلة ما تزال مرشحة للزيادة بسبب وجود مصابين بجروح خطرة، إضافة إلى مصابين عالقين تحت الأنقاض، مؤكداً أن الطيران الروسي قصف منازل المدنيين. وأشار المصدر إلى أنّ رجال الدفاع المدني تمكّنوا من إخلاء 10 مصابين من المدنيين (3 رجال و3 نساء و4 أطفال) جراء انحراف سيارة كانوا يستقلونها عن مسارها وسقوطها بنهر أثناء قصف مدفعي من قوات النظام على محيط مدينة حرستا.

وقالت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" إن قوات النظام السوري قصفت بالمدفعية الثقيلة الأحياء السكنية في بلدة بيت سوى في الغوطة الشرقية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين، طفلين وامرأة، وإصابة 10 آخرين بجروح متفاوتة بينهم ثمانية أطفال وامرأة.


ونقلت صفحة قاعدة حميميم الروسية على موقع "فيسبوك" أن "قاذفات روسية نفّذت ضربات جوية في مناطق تنشط فيها تنظيمات متطرفة في الغوطة الشرقية، مستهدفةً مواقع لمقاتلين ينتمون لتنظيم جبهة النصرة"، وفق القاعدة التي تلجأ دائماً إلى ذريعة "جبهة النصرة" لتبرير قصفها مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية، وهو ما يؤدي غالباً إلى مقتل مدنيين، أغلبهم أطفال.

وشنّ الطيران الحربي الروسي، ومقاتلات النظام أكثر من خمسين غارة على مدينتي حرستا وعربين فقط، بينما شنّ العديد من الغارات على مدن وبلدات الغوطة الأخرى، الأربعاء، في حين واصل ليلاً القصف بأكثر من ثلاثين غارة مستخدماً صواريخ ارتجاجية. وجاء هذا القصف العشوائي إثر فشل قوات النظام في فكّ الحصار عن "إدارة المركبات"، وإيقاف تقدّم قوات المعارضة باتجاه مواقع لا تقلّ أهمية، منها مبنى محافظة ريف دمشق الاستراتيجي الشاهق الذي بات هدفاً مباشراً لقوات المعارضة، في مسعى لشلّ قوات النظام من خلال السيطرة عليه.

وانهار بذلك، اتفاق القاهرة الذي أبرمته وزارة الدفاع الروسية منتصف العام الفائت مع فصيل "جيش الإسلام" برعاية مصرية، وحدّد كيفية عمل منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية المنبثقة عن اتفاقات مسار أستانة التي حدّدت أربع مناطق خفض توتر في سورية. وكان الاتفاق رسم حدود منطقة وقف التصعيد في الغوطة الشرقية، وحدّد مواقع انتشار قوات الفصل والرقابة هناك وصلاحياتها، كما حدّد خطوط إيصال المساعدات الإنسانية وممرات عبور المدنيين"، ولكنه لم ينفّذ من قبل النظام الذي مضى في الخيار العسكري ضارباً بعرض الحائط الاتفاق.

وفي هذا الصدد، أكد وائل علوان، الناطق باسم فيلق "الرحمن"، كبرى فصائل المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية، أن اتفاق القاهرة، أو اتفاق جنيف الذي وقّعه فيلق الرحمن مع الجانب الروسي، وقبلهما اتفاقات خفض التصعيد في جولة أستانة 4، وقبلها أيضاً اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في أنقرة أواخر عام 2016، كلّها بقيت حبراً على ورق بخصوص الغوطة الشرقية ولم تنفّذ، ولم تبدأ بالفعل. وأضاف علوان في حديث لـ"العربي الجديد" أن "عدم دخول هذه الاتفاقات حيّز التنفيذ كان بسبب عدم جدية الجانب الروسي، وعدم مسؤوليتهم، ودعمهم الكامل والمستمر لقوات بشار الأسد الماضية في الحل العسكري"، مشيراً إلى أنّ ادعاء الروس دعمهم المسار السياسي "هو مراوغة". وتابع علوان، إن "قاعدة حميميم تدعم قوات الأسد بشكل مفتوح لوجستياً وعسكرياً، والخارجية الروسية تدعمه سياسياً، وتغطي جرائمه".

ولم يقتصر التصعيد الكبير في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، وإنما طاول منطقة خفض التصعيد الرابعة في محافظة إدلب، حيث تحاول قوات النظام السيطرة على المزيد من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في اختراق واضح لاتفاق التهدئة. كما واصل الطيران الروسي ارتكاب المجازر بحق المدنيين، حيث قتل خمسة من عائلة واحدة وأصيب آخرون بقصف جوي روسي، منتصف ليل الأربعاء، على منازل المدنيين في بلدة تل الطوقان الواقعة بناحية سراقب، بحسب ما أفاد به مركز إدلب الإعلامي. كما قصف الطيران الروسي، الأربعاء، مستشفى للأطفال في مدينة معرة النعمان، ما أدى إلى مقتل طفل رضيع ومدنيين اثنين، إضافة إلى أن القصف أدى إلى خروج المستشفى عن الخدمة.

وأكد ناشطون محليون، أن قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها سيطرت على ثلاث قرى في شرقي مدينة إدلب، مشيرين إلى أن مسافة 5 كيلومترات باتت تفصلها عن بلدة سنجار في ريف إدلب الشرقي، ونحو 20 كيلومتراً عن مطار أبو الظهور العسكري.

من جهته، أشار العقيد فاتح حسون، رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة إلى مفاوضات أستانة إلى أنّ الغوطة الشرقية لدمشق "لم تشهد أبداً أي تهدئة، أو وقف لإطلاق النار منذ بداية الثورة حتى الآن. وعندما تمّ إقرارها منطقة خفض تصعيد لم يلتزم الإيرانيون بذلك، وكانوا يحاولون اقتحامها بمساندة طيران النظام تارة وبمساندة الطيران الروسي تارة أخرى، وكان الروس يتذرعون كذباً بوجود عناصر من جبهة النصرة في الغوطة الشرقية.

وأوضح حسون في حديث مع "العربي الجديد" أن اتفاق التهدئة في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب "غالباً ما كانت القوات المعادية تخرقه، ويكون القصف الروسي وقصف النظام متناوباً ومركّزاً على تجمعات سكنية بغرض تهجير بعض القرى والمدن"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن لمراقب أن يعتبر أن هناك اتفاقاً لخفض التصعيد في الغوطة الشرقية أبداً، ولا استمرار لهذا الاتفاق في إدلب وحماة". وتابع "مناطق خفض التصعيد المعلنة هي أربعة، واحدة لم تشهد هذا الاتفاق أبداً وهي الغوطة الشرقية، وواحدة تحدث فيها خروقات كبيرة بشكل متناوب وهي إدلب، ويوجد منطقتان أقل اختراقاً لخفض التصعيد من السابقتين، وهما منطقة الجنوب السوري، وريف حمص الشمالي في وسط سورية".

وجاء التدخل الروسي إلى جانب قوات النظام في الغوطة الشرقية وفي محافظة إدلب ليزيد من هوة عدم الثقة بين موسكو والمعارضة السورية، إذ من الواضح أن روسيا تخلّت عن دورها كضامن للنظام في اتفاقات خفض التصعيد، واختارت أن تكون شريكة للنظام في مجازره، وحرقه لاتفاقات رعتها موسكو في أستانة والقاهرة وجنيف. ويبدو أن الروس يوجهون رسائل دامية للمعارضة السورية بسبب رفضها المشاركة في مؤتمر سوتشي، كما أن الواضح أن الخلاف التركي الروسي حيال هذا المؤتمر ينعكس على المدنيين السوريين، إذ تلجأ موسكو إلى الضغط السياسي من خلال الصواريخ الارتجاجية وتدمير المرافق العامة وفي مقدمتها المشافي.