روسيا تقود معارك النظام السوري في درعا والبادية

02 يونيو 2017
من ضحايا قصف النظام على درعا (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
تقود روسيا جبهات القتال في الجنوب السوري والبادية، محاولةً قلبَ المعطيات لمصلحة النظام السوري الساعي لاسترجاع ما خسره في درعا قبل فترة، ومنع عودة المبادرة للمعارضة في البادية بعد إطلاقها معركة على مواقع النظام والمليشيات حققت خلالها تقدّماً. ويأتي ذلك مع استمرار "المناوشات" بين موسكو "وقوات سورية الديمقراطية" في الرقة، مع نفي الأخيرة السماح لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الفرار من المدينة.

جاء ذلك في ما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يُعرب عن قلقه من احتمال انقسام سورية. وفي كلمة له خلال منتدى الاقتصاد الدولي في سان بطرسبرغ الروسية، أكد بوتين ضرورة الحرص على عدم تشكيل مناطق خفض التوتر نموذجاً لتقسيم سورية مستقبلاً، بل يتوجب أن تكون نموذجاً للحوار السياسي حول مستقبلها وحماية وحدة أراضيها.

وأوضح بوتين أن بلاده تشاطر الرأي مع تركيا في قضايا كثيرة تتعلق بالملف السوري، مبيناً أنه لولا التفاهم التركي الروسي لما كان أن يتحقق وقف إطلاق النار أو التوصل لاتفاق مناطق خفض التوتر. ولفت إلى أن بلاده تدرك هواجس تركيا في موضوع تنظيم "الحزب الديمقراطي" الكردي وحزب "العمال الكردستاني"، وأن روسيا تحرص على التصرف إيجابياً تجاه هذه الحساسية.
في التطورات الميدانية، تدفّقت المزيد من القوات التابعة للنظام السوري والمليشيات التي تقاتل معه، إلى محافظة درعا جنوبي البلاد بدعم جوي روسي، فيما يُعتقد أنه تحضير لهجوم كبير ينوي القيام به في المدينة التي قُتل فيها أمس الخميس نحو 20 شخصاً نتيجة انفجار عبوات ناسفة وقصف لقوات النظام. وقال الناشط الإعلامي محمد الشلبي لـ"العربي الجديد" إن "عبوتين ناسفتين انفجرتا في سيارة تتبع للجيش الحر على الطريق الواصل بين بلدتي كفر شمس وعقربا في ريف درعا الشمالي، وبعد تجمّع عدد من المواطنين لإسعاف الجرحى، عمدت قوات النظام إلى استهداف المكان بقذائف المدفعية، ما أدى في المحصلة إلى مقتل 15 شخصاً بين مدنيين وعسكريين، وإصابة حوالي 20، بعضهم جراحه خطرة". كما قُتل ثلاثة مدنيين وأُصيب آخرون فجر أمس جراء انفجار عبوة ناسفة على الطريق الواصل بين بلدتي الصورة والغارية الشرقية في ريف درعا الشرقي.
وأضاف الشلبي أن اشتباكات عنيفة دارت بين فصائل المعارضة وقوات النظام المساندة لها، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وسط قصف مكثف على أحياء درعا البلد التي ألقت عليها مروحيات النظام 12 برميلاً متفجراً، فيما جرى استهداف حي السد في مدينة درعا بصاروخ أرض-أرض، ما تسبّب بسقوط مزيد من الضحايا بين المدنيين.

وواصل النظام أمس ولليوم الرابع على التوالي إرسال التعزيزات إلى مركز مدينة درعا في محاولة منه لاسترجاع ما خسرته قواته من حي المنشية في درعا البلد خلال الفترة الأخيرة. وأوضح الشلبي أن سيارتي زيل ودبابة وصلتا أمس إلى المواقع المتبقية مع النظام في درعا البلد. ووصل قبل ذلك إلى مركز مدينة درعا رتل كبير مؤلف من خمس دبابات حديثة، وثلاث عربات (بي إم بي)، وثماني سيارات تنقل خبراء عسكريين، و25 سيارة تنقل مقاتلين. وقد رافق الطيران الحربي الروسي الرتل من العاصمة دمشق وحتى وصوله إلى مقر عمليات قوات النظام في ملعب البانوراما شمال مدينة درعا، ولوحظ أن الآليات ضمن الرتل كانت ترفع ولأول مرة العلم الروسي وليس أعلام النظام ومليشياته. وسبق وصول هذا الرتل أربعة أرتال أخرى خلال الأيام القليلة الماضية، ما يشير إلى استعدادات حثيثة يقوم به النظام بمساندة المليشيات وبغطاء جوي روسي تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في المحافظة.
وحاولت قوات المعارضة عرقلة وصول واستقرار هذه الأرتال، إذ استهدفت مقر عمليات قوات النظام في ملعب البانوراما براجمات الصواريخ، كما استهدفت طريق دمشق ـ درعا الدولي والذي يعتبر طريق إمداد قوات النظام في مركز مدينة درعا، بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة.
ورجّحت مصادر محلية أن تكون قوات النظام تستعد لعلمية واسعة في المحافظة لا تستهدف فقط استرجاع ما خسرته خلال الأسابيع الأخيرة في حي المنشية بدرعا البلد، بل السيطرة على كل درعا البلد وإبعاد قوات المعارضة عن مركز المدينة وحتى الحدود مع الأردن. وأشارت تلك المصادر إلى معلومات عن قيام ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، بزيارة إلى مدينة ازرع في محافظة درعا والتي تُعتبر المركز الرئيسي لقوات النظام في المحافظة، برفقة كبار ضباطه في الفرقة الرابعة تحضيراً لهذه المعركة، وغادر ماهر بعد عدة ساعات، ولكن بقي الضباط من أجل المساهمة في التحضير للمعركة. وقالت مصادر محلية إن النظام يعمل على إنشاء مستشفى عسكري في المدينة استعداداً كما يبدو لوقوع إصابات جراء المعركة المتوقعة. وأوضحت المصادر أن المستشفى يأتي في ظل تردي الواقع الصحي في المحافظة بما في ذلك المناطق الخاضعة للنظام.

وفي سياق معارك الجنوب السوري، وبعد اتهامات النظام السوري للأردن بفتح أراضيه لقوات أجنبية تحضيراً لعملية عسكرية في الجنوب السوري تنطلق من الأردن، أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية الفريق الركن محمود فريحات أنه "لن يكون للقوات الأردنية أي تواجد أو دخول للأراضي السورية كما يشاع ويقال عبر وسائل الإعلام المختلفة"، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية "بترا". وسبق أن أكد العاهل الأردني عبد الله الثاني عدم الحاجة لدور للجيش الأردني في داخل سورية، في وقت شدد على مواصلة بلاده سياسة الدفاع في العمق.


في غضون ذلك، تتواصل المعارك في البادية السورية بين قوات النظام السوري وفصائل من الجيش الحر ضمن معركة "الأرض لنا" التي أعلنتها الفصائل الأربعاء مستهدفة قوات النظام في منطقة السبع بيار وحاجز ظاظا. هذه المعارك التي كانت روسيا حاضرة فيها عبر قصف جوي من مقاتلاتها، تدور في منطقتي تل دكوة وبئر القصب في القلمون الشرقي بريف دمشق، مع قصف مدفعي وصاروخي متبادل بين النظام والمعارضة. وكانت فصائل المعارضة أكدت مقتل 25 عنصراً من قوات النظام والمليشيات المساندة لها في منطقة تل دكوة خلال الاشتباكات بين الطرفين في إطار عملية "الأرض لنا". وأعلنت فصائل المعارضة تعرضها لقصف جوي قامت به طائرات روسية خلال اشتباكها مع قوات النظام. وقال مصدر عسكري من المعارضة، إن 6 مقاتلات روسية قصفت مواقعهم التي تقدّموا إليها باتجاه منطقة حاجز ظاظا قرب قرية السبع بيار التي تقع على الطريق الدولي بين دمشق وبغداد. وكان بيان مشترك لـ"جيش أسود الشرقية" وقوات "الشهيد أحمد عبدو" التابعة للجيش السوري الحر، قال إن الفصيلين شنا هجوماً واسعاً على مواقع النظام والمليشيات الإيرانية في البادية السورية، حيث جرى كسر خطوط الدفاع الأولى للنظام والمليشيات والسيطرة على نقاط متقدمة بالقرب من حاجز ظاظا والسبع بيار.

وليس بعيدا عن البادية، تواصلت أيضاً معركة الرقة بين "قوات سورية الديمقراطية" وتنظيم "داعش"، حيث كثف طيران التحالف الدولي غاراته على مدينة الرقة، ملقياً مناشير تحذر من هجوم وشيك على المدينة، وتطلب من الأهالي مغادرتها. وقالت صفحة "الرقة تذبح بصمت" على "فيسبوك" إن طائرات التحالف أغارت على محطة محروقات "أبو هيف"، القريبة من مستشفى الحياة داخل المدينة ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل. ودمّرت غارات التحالف خلال الأشهر الأخيرة عشرات المراكز الحيوية والمعالم الشهيرة في المدينة، كان آخرها مدرسة الرشيد، قبل أيام. ويطاول القصف عشرات النقاط أبرزها: حي الثكنة وقصر المحافظ وشارع 23 شباط، إضافة إلى محيط المستشفى الوطني ومدرسة معاوية ومنطقة الفرن في المدينة.
ويتزامن القصف الجوي مع هجمات تشنّها "سورية الديمقراطية" في الريفين الغربي والشرقي للرقة، إذ سيطرت على قرية الحمام الواقعة قرب المدخل الجنوبي لسد "البعث" بريف الرقة الغربي.

وتشهد الرقة جدلاً مستمراً بين الأكراد وموسكو، فقد نفت "وحدات حماية الشعب الكردي" التي تشكّل أساس "قوات سورية الديمقراطية"، إجراء محادثات مع تنظيم "داعش" في الرقة، أو ترك ممرات لخروج مسلحي التنظيم من المدينة. ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن متحدث باسم "وحدات حماية الشعب" لم تسمه، رداً على سؤال حول الجهة التي من الممكن أن تكون قد بدأت محادثات مع مسلحي "داعش" لضمان خروج آمن لهم من الرقة، قال إن "اللاعبين في سورية كثر". وترافق ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الروسية في بيان أمس، مقتل أكثر من 80 مسلحاً من تنظيم "داعش"، وتدمير 36 سيارة و8 صهاريج و17 سيارة "بيك آب" مزودة برشاشات، أثناء محاولتهم الخروج من الرقة، ليل 30 مايو/أيار. وأكدت أن "قيادة مجموعة القوات الروسية، العاملة على الأراضي السورية، مستمرة في اتخاذ الإجراءات الضرورية للحيلولة دون خروج فصائل داعش من الرقة نحو محافظتي حمص وحماة". وأوضحت الوزارة أن القوات الجوية الروسية أحبطت محاولتين لخروج مسلحي تنظيم "داعش" من مدينة الرقة خلال أسبوع، مشيرة إلى أن القوات الجوية الروسية تمكنت من تدمير قافلة، كانت متجهة من الرقة إلى تدمر يوم 25 مايو/أيار. وأشارت الوزارة إلى أن مسلحي "داعش" يعبرون نهر الفرات ويخرجون من الرقة، على الرغم من أنهم مطوقون من قبل "قوات سورية الديمقراطية" وقوات أميركية وفرنسية وبريطانية خاصة. وأكدت أن أي محاولة لخروج مسلحي "داعش" من الرقة باتجاه تدمر سيتم التصدي لها بقوة.