حلّ موعد استحقاق دين أوكرانيا أمام روسيا بواقع ثلاثة مليارات دولار ليجدّد الحرب الاقتصادية بين البلدين، إذ أعلنت كييف بشكل رسمي عن قرارها تعليق سداد ديونها لموسكو لحين تقديم مقترحات بشأن إعادة الجدولة أو صدور قرار قضائي.
وكان من المفترض أن تبدأ أوكرانيا سداد الدين أمس الأحد، حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين.
وفي المقابل، أكد وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، في تصريحات صحافية، مؤخراً، أنه في حال عدم سداد أوكرانيا المبالغ المستحقة خلال فترة السماح حتى 31 ديسمبر/كانون الأول، ستلجأ روسيا إلى القضاء لإلزام كييف بدفعها. وشدّد سيلوانوف على أن إعلان أوكرانيا تعليق سداد الدين لا يعني إلغاء التزاماتها فيما يتعلق بدفعه.
وتطالب موسكو بسداد دينها دفعة واحدة في ظل تأكيد صندوق النقد الدولي أنه دين سيادي، بينما تصر كييف على شطب 20% منه وإرجاء مواعيد السداد، على غرار الاتفاق مع دائنيها الغربيين.
ويرى رئيس مركز التحليل الأوكراني، ألكسندر أوخريمينكو، أن تعثر أوكرانيا في سداد ديونها أمام روسيا يعني في الواقع إفلاسا، بينما استخدمت الحكومة لفظ "تعليق" لعدم إثارة غضب الشعب في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.
وفيما يتعلق بكيفية تسوية مشكلة الدين، يقول أوخريمينكو في اتصال تليفوني من العاصمة الأوكرانية كييف، مع "العربي الجديد"، "على روسيا وأوكرانيا بدء المفاوضات ولو على مستوى نائبي وزيري المالية للتوصل إلى اتفاق، ومن الطبيعي أن تكون المطالب في البداية عالية جدا من الجانبين".
ويضيف: "أما في حالة اللجوء إلى القضاء الدولي، فإجراءات التقاضي قد تستغرق وقتا طويلا جدا، كما حدث مع قضية "يوكوس" (إحدى أكبر شركات النفط الروسية سابقا)، وقد يشكل الحكم مفاجأة لأي من الجانبين".
ويشير الخبير الأوكراني إلى أن قرار صندوق النقد الدولي برفع الحظر عن تمويل دول ذات ديون سيادية متأخرة لا يعني استمرار تمويل أوكرانيا من تلقاء نفسه، بل سيكون مرهونا بالاتفاق مع روسيا على إعادة جدولة الدين.
وفي حال بدء إجراءات التقاضي، لن تحصل روسيا على المبالغ المستحقة لحين صدور حكم قضائي يقضي بذلك، بينما قد تواجه أوكرانيا صعوبات في الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، وقد تخفض المؤسسات الدولية تصنيفها الائتماني.
والجدير بالذكر أن النظر في قضية شركة "يوكوس" التي كانت مملوكة للملياردير الروسي السابق، ميخائيل خودوركوفسكي، بمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، استمر أكثر من تسع سنوات. وبعد صدور حكم بإلزام روسيا بدفع 50 مليار دولار لمساهمي الشركة السابقين في عام 2014 ورفض موسكو تنفيذه، وضعت فرنسا بلجيكا حجزا على الأصول الروسية، بما فيها حسابات البعثات الدبلوماسية الروسية.
اقرأ أيضاً: أوكرانيا تعلن رسمياً تعليق سداد ديونها لروسيا
ولكن في حالة أوكرانيا، لن تكون هناك جدوى من مثل هذا الإجراء، لأن أصولها بالخارج، على عكس روسيا، قليلة جدا، وفق ما أكدته وزيرة المالية الأوكرانية ناتاليا ياريسكو.
وكانت روسيا قد منحت أوكرانيا ثلاثة مليارات دولار في إطار قرض ميسر في ديسمبر/كانون الأول 2013، وقت تولي الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا زمام السلطة في كييف.
وبعد هروب يانوكوفيتش إلى روسيا في فبراير/شباط 2014 على خلفية موجة من الاحتجاجات وأعمال العنف، وتولي حكومة موالية للغرب زمام السلطة، اعتبرت السلطات الأوكرانية الجديدة أن هذا القرض كان بمثابة "رشوة" ليانوكوفيتش، مقابل تراجعه عن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
وسبق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن اقترح إعادة جدولة القرض وتقسيطه في الفترة ما بين 2016 و2018 بواقع مليار دولار سنويا، بشرط توفر ضمانات من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو إحدى المؤسسات المالية الدولية، وهو ما رفضه الغرب.
ويتزامن احتدام حرب الديون بين موسكو وكييف مع إجراءات اقتصادية أخرى تتخذها موسكو بحق كييف، وسط توجه هذه الأخيرة نحو مزيد من التقارب مع الاتحاد الأوروبي.
وقررت روسيا وقف العمل باتفاقية منطقة التجارة الحرة مع أوكرانيا والبدء بتطبيق حظر استيراد المواد الغذائية من أوكرانيا اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2016، وذلك مع دخول القسم الاقتصادي من اتفاقية الشراكة بين كييف والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ.
وبذلك لن تستفيد المنتجات الأوكرانية من الإعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الروسية، بينما سيؤدي حظر استيراد المواد الغذائية إلى تراجع الصادرات الأوكرانية إلى روسيا بمقدار 600 مليون دولار في عام 2016، بحسب تقديرات الحكومة في كييف.
وكانت العلاقات بين روسيا والدول الغربية قد تدهورت على خلفية موقف موسكو من الأزمة الأوكرانية، وتبنى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى عقوبات اقتصادية أحادية ضد روسيا.
وبدأت واشنطن وبروكسل بفرض العقوبات بشكل تدريجي اعتبارا من مارس/آذار 2014، حيث اقتصرت العقوبات في البداية على شخصيات رسمية وعامة روسية، واتسعت في وقت لاحق لتطاول قطاعات اقتصادية مختلفة.
ومن جهتها، تبنت روسيا في رد على ذلك عقوبات تمثلت في حظر استيراد المواد الغذائية من الدول التي انخرطت في العقوبات ضدها. وقدرت تقارير دولية، تكبد موسكو خسائر تتراوح ما بين 20 و25 مليار دولار، ما أثر سلبا على احتياطياتها من النقد الأجنبي.
اقرأ أيضاً:
أوكرانيا ترفض سداد ديون مستحقة لروسيا
اتهامات لصندوق النقد الدولي بالرضوخ لـ"التسييس"