روسيا تستثمر حلب سياسياً: مفاوضات كازاخستان تطوي صفحة جنيف

17 ديسمبر 2016
من تظاهرة ببرلين أخيراً تنديداً بسياسة بوتين بسورية(ميشيل تانتوسي/Getty)
+ الخط -
لم تكتمل بعد عملية تهجير عشرات آلاف المدنيين والمقاتلين المعارضين من شرق حلب، حتى بدأ الروس باستثمار الملف سياسياً. فقد باشروا الحديث عن استئناف العملية السياسية، بالشراكة مع تركيا، الشريك الجديد لهم، بعد ابتعادها عن الغرب والأميركيين نتيجة سياساتهم السلبية تجاهها. ويتطلع الروس إلى إطلاق عملية تفاوضية بعيدة جغرافياً عن جنيف، مقر جولات التفاوض السابق بين المعارضة والنظام برعاية أممية. وتريد موسكو بالتالي محاولة الالتفاف على مقررات جنيف السابقة، وفرض حل سياسي بعيداً عن القوى الغربية التي تراجع حضورها في الأزمة السورية، والتي بات دورها يقتصر اليوم على الشجب والاستنكار والتعبير عن القلق وبعض مشاريع القرارات الساقطة بالفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي.

وأعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، في طوكيو أمس الجمعة، أن ما سماه "تحرير حلب تطور مهم ويسمح بإيجاد هدنة جديدة"، قائلاً: "مسألة تدمر، على ما يبدو لي، رمزية بحتة. أما حلب فإنها بالطبع موضوع بالغ الأهمية من الناحية السياسية والعسكرية". ولفت إلى أن عملية إخراج المسلحين التي تجري حالياً من شرق هذه المدينة السورية هي ما تم التوصل إليه خلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى سان بطرسبورغ. وأوضح أن "موسكو اتفقت مع أنقرة على مساهمة تركيا في إخراج هؤلاء المسلحين الذين سيوافقون على إلقاء السلاح من أجل حماية المدنيين قبل كل شيء"، بحسب تعبيره.

وأكد بوتين أن بلاده تجري مباحثات مكثفة مع المعارضة السورية بوساطة تركية، مشيراً إلى إمكانية إجراء جولة جديدة من هذه المباحثات في كازاخستان، إذا وافقت الأطراف المعنية على ذلك. وأوضح أن مثل هذه المباحثات، في حال إجرائها، ستكمل المباحثات الجارية في جنيف. وأضاف: "أول أمس (الأربعاء) اتفقت مع الرئيس أردوغان هاتفياً على أن نطرح على الجانبين المتنازعين، من جهتنا لحكومة سورية، ورئيس تركيا لممثلي المعارضة المسلحة، مواصلة عملية مفاوضات السلام في منصة جديدة، قد تكون هي عاصمة كازاخستان، أستانة"، معتبراً أنه "أينما كان مكان اجتماع الجانبين المتنازعين، فمن الصحيح عقد هذا الاجتماع والسعي إلى إيجاد تسوية سياسية"، مشيراً إلى أن "الخطوة المقبلة هي الاتفاق على وقف كل عمليات القتال وإطلاق النار". في غضون ذلك، أعلنت مصادر في الرئاسة التركية، أمس الجمعة، أن مقترح "عقد مباحثات بشأن الأزمة السورية في العاصمة الكازاخستانية" طرح خلال الاتصال الهاتفي بين أردوغان وبوتين الأربعاء الماضي، دون أن يتم تحديد موعد لبدء المباحثات، بحسب المصادر نفسها.

وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي أمس في أنقرة، أنه يجري التخطيط لمحادثات بالاشتراك مع روسيا لعقد اجتماع يضم المعارضة والنظام في كازاخستان. ولفت جاووش أوغلو إلى أن الرئيسين التركي والروسي تطرقا إلى مقترح عقد مباحثات بين الأطراف المتصارعة في سورية استناداً إلى أرضية جديدة، في أستانة. وأضاف الوزير التركي أن "بوتين اقترح لأردوغان خلال محادثاتهما (الهاتفية) عقد لقاء بين ممثلي النظام والمعارضة في بلد ثالث وذلك عقب وقف إطلاق النار".

تعقيباً على ذلك، أعلن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية، رياض حجاب، أن الهيئة مستعدة للانضمام لمحادثات السلام بشرط أن يكون هدفها تشكيل حكومة انتقالية. وقال للصحافيين في كوبنهاغن بعد اجتماع مع وزير الخارجية الدنماركي، كريستيان ينسن، أمس الجمعة، إنه إذا كانت هناك نية لحل سياسي حقيقي لتشكيل حكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة، فإن الهيئة تؤيد هذا الحل السياسي، بحسب تأكيده. وأضاف أن الهيئة العليا للمفاوضات تشكلت لإيجاد حل سياسي في سورية وإنها ملتزمة بمحادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.


وكان نائب رئيس "الهيئة العليا للمفاوضات"، يحيى القضماني، اكتفى في حديث مع "العربي الجديد"، بتأكيد وجود هذه التحركات والمساعي، قائلاً "نعم، نعرف عن هذا الأمر من خلال المعلومات التي تردنا، وهي أن الروس يشجعون تجمعات المعارضة بما فيها هيئة التنسيق وشخصيات عديده لعقد مؤتمر". ولفت إلى أن "الهيئة العليا للمفاوضات خارجه (المؤتمر)، لقناعتنا بأن عقد المؤتمر بهدف عقده، بدون مرجعية، هو خدمة كبيره للنظام". وأضاف أنه "إذا وافق الروس على مرجعية جنيف واحد والقرارات الدولية، سيكون لنا موقف آخر"، بحسب تعبيره. وأكد أنه "لم يتم أي تواصل بين الهيئة العليا للمفاوضات والروس"، مبيناً أن "رؤية الروس للحل السياسي تقوم على بقاء النظام وحكومة موسعة تشارك فيها شخصيات المعارضة المرضي عنها". بدوره، جزم عضو الائتلاف السوري نصر الحريري، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن الائتلاف ليس على علم بأي مؤتمر جدي للسلام، لافتاً إلى أن التطورات السيئة في الميدان قد لا تساعد على ذلك.

وعلمت "العربي الجديد" أن هناك تحركات روسية تهدف إلى عقد مؤتمر للمعارضة السورية في دمشق، على الرغم من عدم وجود تقبل من الإيرانيين ونظام بشار الأسد للموضوع. وجرت اتصالات مع عدة شخصيات معارضة في الخارج والداخل إضافة إلى مجموعة منصة الأستانة وموسكو وحميميم، القريبة من النظام والمقبولة من الروس.

وقال مصدر معارض، طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الدبلوماسية الروسية بحثت مع عدة قوى وشخصيات عقد مؤتمر للمعارضة في دمشق، لبحث سبل الحل السياسي للأزمة السورية". وذكر أن "من بين هذه الشخصيات المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية، حسن عبد العظيم، المندفع لعقد مؤتمر للمعارضة، ورئيس الائتلاف السابق، أحمد الجربا، لكنهما لم يحصلا على موافقة كياناتهما بشكل تام إلى الآن". وأضاف أنه "تم التواصل أيضاً مع رئيس تيار قمح، هيثم مناع، الذي كان جزءاً في ما سبق من هيئة التنسيق ومؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، كما جرى التواصل أخيراً مع الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطية (مناع)، الذي سبق أن انسحب من المجلس احتجاجاً على إعلان الفيدرالية من جانب واحد".

وبيّن المصدر أن "الروس عرضوا على مناع المشاركة بمؤتمر يعقد في مطار دمشق، وتكون إقامتهم في فندق المطار، على أن يضمن الروس سلامة المشاركين، إلا أن الأخير طلب، كبادرة حسن نية، وتأكيداً على أن الروس قادرين على ضبط النظام السوري، الإفراج عن كل من القياديين في هيئة التنسيق، الدكتور عبدالعزيز الخير ورجاء الناصر ورفاقهما قبل عقد المؤتمر، والذين ينكر النظام اعتقالهم".

وفد "حميميم" يزور موسكو؟
من جهتها، أفادت مصادر معارضة من دمشق، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "إيعازاً أتى من الروس والنظام لما يسمى معارضة حميميم، لتشكيل وفد يتوجه إلى موسكو لبحث عقد مؤتمر للمعارضة والأجندة الخاصة به، والمخرجات المراد منه، إضافة إلى استئناف العملية السياسية". وبيّنت أن من بين أعضاء الوفد "عضوا حزب سورية الوطن، مجد نيازي وياسر رباح، والأمينة العامة لحزب الشباب الوطني للعادلة والتنمية، بروين إبراهيم، وأعضاء حزب الشباب الوطني السوري، جعفر مشهدية وماهر مرهج وسهير سرميني، وعضو حزب التضامن، ماهر كرم، وعضو الحزب السوري القومي الاجتماعي، عبدالله منين، وممثل المجتمع المدني، محمد جلبوط (فلسطيني الجنسية)، وممثلة لجنة متابعة الحوار، وربا ميرزا، وعضوا مجلس الشعب فيصل عزوز وحسين راغب، كما يتوقع أن تنضم إليهم عضوة هيئة العمل الوطني، ميس كريدي". وتوقعت المصادر أن "يتوجهوا إلى موسكو قبل بداية عطلة الأعياد إذا اكتمل اختيار المشاركين".

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد رفض ضمان سلامة أي من المعارضين الذين قد يشاركون في المؤتمر، ضمن حديث أجراه أخيراً لصحيفة "الوطن" الموالية. وقال إن "أي شخص سوري يريد أن يأتي إلى سورية، يخضع للقانون السوري، إذا كان عليه ارتكابات فهو خاضع للقانون السوري". وأضاف "أنْ نضمن سلامته شيء، وأن نجعله فوق القانون شيء آخر".






المساهمون