يناقش مجلس الدوما (النواب) الروسي حالياً تعديلات على قانون الخدمة العسكرية، ستسمح للعسكريين العاملين والاحتياطيين بإبرام عقود قصيرة المدى، لا تزيد مدتها عن عام واحد، لأداء الخدمة خارج الأراضي الروسية. وفي الوقت الذي أشارت فيه المذكرة التوضيحية لمشروع القانون إلى ضرورة منع "نشاط الإرهاب الدولي خارج أراضي روسيا الاتحادية"، رأت الصحافة الليبرالية الروسية أن هذه التعديلات تمهّد لقوننة أوضاع أفراد الشركات العسكرية الخاصة العاملة بالفعل في سورية، إذ إن المادة 359 من القانون الجنائي الروسي تحظر تجنيد المرتزقة ومشاركتهم في النزاعات المسلحة في الخارج.
وأوضحت صحيفة "نوفايا غازيتا" الليبرالية المعارضة أنه في حال اعتماد التعديلات الجديدة، "سيُعامل مقاتلو الشركات العسكرية الخاصة معاملة العسكريين المتعاقدين، بعد إبرامهم عقوداً مع وزارة الدفاع، ما سيسهل كثيراً إرسال المتطوعين إلى سورية". ومنذ بدء تدخلها العسكري المباشر في سورية قبل أكثر من عام، نفت روسيا مراراً نيتها استخدام قواتها المسلحة لشن عمليات برية واسعة النطاق، إلا أن تقارير إعلامية متكررة تحدثت عن وجود الآلاف من الأفراد التابعين لشركات عسكرية خاصة على الأرض، وفي مقدمتها شركة "فاغنر"، للمشاركة في عمليات عالية المخاطر، مثل تحرير تدمر في مارس/ آذار الماضي. وبحسب التقارير، فإن هؤلاء الأفراد لا يتبعون للجيش الروسي، وبذلك "لا يفسدون" الإحصاءات الرسمية حول عدد القتلى، إذ يتم ربط صرف التعويضات لذويهم بالالتزام بسرية المعلومات، ما يضمن عدم انتشارها على نطاق واسع.
ويرى الأكاديمي والمعارض السوري المقيم في موسكو، محمود الحمزة، أن الاستعانة بشركات عسكرية خاصة، سواء في أوكرانيا أو سورية، ساعدت السلطات الروسية على تمويه شكل التدخل وتفادي الإحراج أمام الرأي العام داخل البلاد. ويقول الحمزة، لـ"العربي الجديد"، "تعلن روسيا دائماً أنها لن تتورط برياً، وبذلك تموه على شكل التدخل، لأن المرتزقة، وبينهم عناصر من الاستخبارات، لم ينقطعوا يوماً عن العمل في كل مكان على الأرض السورية". ورغم أن العدد المعلن للضحايا في صفوف القوات الروسية في سورية يبلغ نحو 20 قتيلاً فقط، إلا أن هذا الرقم لا يشمل عشرات من الضحايا المحتملين بين أفراد الشركات العسكرية. ويعود أول ذكر لمشاركة شركة "فاغنر" غير المسجلة رسمياً في أعمال القتال في سورية إلى مارس/ آذار الماضي، عندما نشرت صحيفة "فونتانكا" الإلكترونية المستقلة تحقيقاً أفادت فيه عن مقتل العشرات من أفراد الشركة أثناء عملية تحرير تدمر. وبحسب الصحيفة، فإن اسم الشركة يعود إلى قائدها ديمتري أوتكين، وشهرته "فاغنر"، وسبق لها أن عملت في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في العام 2014، ثم في مقاطعة لوغانسك، شرق أوكرانيا، قبل أن تركز جهودها في سورية منذ خريف العام 2015. وحول وظيفة "فاغنر" أثناء العمليات، نقلت الصحيفة عن أحد "المحاربين القدماء" قوله "نسير في الصف الأول. نقوم بتصويب الطيران والمدفعية ونبعد العدو، وتلينا القوات الخاصة السورية، ثم فيستي-24 والقناة الأولى الروسية تتسابقان بكاميراتهما لمحاورتها".
وعلى الرغم من هذه المخاطر العالية، فإن عدد الراغبين في الالتحاق بـ"فاغنر" أكبر من عدد "الوظائف الشاغرة" بسبب الأجور المغرية، وعدم توفر فرص عمل في معظم المدن الروسية باستثناء موسكو وسانت بطرسبورغ، وفق "المحارب". ويظهر البحث على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي وجود مجموعات كاملة تناقش مسألة الالتحاق بالشركات العسكرية الخاصة لأصحاب الخبرة القتالية. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قدرت صحيفة "إر بي كا" نفقات مشاركة شركة "فاغنر" في العمليات بسورية بما يصل إلى عشرة مليارات روبل (أكثر من 150 مليون دولار)، وفرتها الدولة الروسية و"رجال أعمال كبار" لـ"إثبات الولاء" بهدف توطيد تعاونهم مع وزارة الدفاع الروسية. ونقلت الصحيفة عن مصدرين مطلعين إن إرسال أفراد "فاغنر" إلى سورية بدأ حتى قبل انطلاق العملية العسكرية الروسية، إذ تم نشر نحو 2500 عنصر بالقرب من اللاذقية وحلب، بينما كان ضباط الاستخبارات العامة وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي يتولون قيادة العمليات.
وأوضحت "إر بي كا" أنه يجري تدريب عناصر "فاغنر" في قاعدة مولكينو في إقليم كراسنودار، جنوب روسيا، بينما كان يتم صرف أجور الموظفين نقداً نظراً إلى عدم تعيينهم بشكل رسمي، وتبدأ من 80 ألف روبل (نحو 1300 دولار) شهرياً داخل روسيا وتصل إلى 300 ألف روبل (5000 دولار تقريباً) أثناء وجودهم في سورية. وقال أحد ضباط "فاغنر" للصحيفة إن الالتزام بالسرية هو شرط لصرف التعويضات لذوي القتلى، والتي تصل قيمتها إلى خمسة ملايين روبل (نحو 80 ألف دولار). لم يؤكد الكرملين وجود عناصر غير تابعة للجيش الروسي في سورية، إلا أن النائب في مجلس الدوما عن الحزب الليبرالي الديمقراطي، ميخائيل ديغتياروف اعترف، قبل أيام، بمقتل معاونه السابق، سيرغي موروزوف، في سورية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن القتيل "لم يكن عسكرياً". ويعتبر هذا التصريح، الذي نقلته وكالة "نوفوستي"، أول اعتراف لمسؤول روسي يفيد بوجود أفراد لقوات غير نظامية على الأراضي السورية.