تحظى زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، هذا العام، إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أهمية تختلف عن الدورات السابقة. فالتفاؤل الذي ساد الأجواء لدى زيارته الأولى الولايات المتحدة، العام الماضي، تحول إلى جو مشحون بالتوتر تعود أسبابه الى أمور كثيرة.
لم يحمل العام الأول من رئاسة الشيخ الديبلوماسي تطورات جذرية على صعيد العلاقات الثنائية بين طهران وواشنطن، على الرغم من كل التوقعات التي صبت في مصلحة تحسين العلاقات بالنظر إلى التقاطعات التي تجمع الطرفين على العديد من الأمور.
ولكن الأهم الآن بالنسبة للجميع، هو الملف النووي، الذي لا يزال مفاوضوه يتنقلون من بلد الى آخر لعقد جولات الحوار المتتالية، لعلّها تخلّص البلاد من ثقل العقوبات بالتوصل الى اتفاق شامل، تتفرغ بعده إيران لملفاتها الأخرى في المنطقة والعالم.
وتتزامن زيارة روحاني مع جولة جديدة من المفاوضات النووية بين إيران و دول 5+1، ستعقد على هامش اجتماع الأمم المتحدة على مستوى وزراء الخارجية، في 18 من شهر سبتمبر/أيلول الجاري.
ويعتبر كثير من المراقبين أن قرار روحاني بالذهاب في حد ذاته، سيكون عاملاً مؤثراً في المحادثات التي لن يحضرها، ولكنه قد يلتقي برؤساء الدول المؤثرة فيها أيضاً، فالنووي هو أولوية الإيرانيين الآن قبل أي ملف إقليمي ودولي آخر.
لم ينس أحد في الداخل الإيراني حجم الانتقادات التي وجهت لمشاركة روحاني الأولى في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، العام الماضي، كونه بادر إلى التواصل هاتفياً مع نظيره الأميركي، باراك أوباما، وكان أول حوار بعد قطيعة عقود.
وعلى الرغم من كل التركيز العالمي على هذه الخطوة، إلا أنه كان في الداخل الإيراني وجهة نظر أخرى مؤثرة للغاية في صنع القرار، وهو الأمر الذي سيجعل روحاني يفكر كثيراً قبل القيام بأية خطوة شبيهة هذا العام.
استقبل الرئيس لدى عودته من نيويورك إلى مطار مهرآباد غربي العاصمة طهران مجموعة من الإيرانيين الموالين للتيار المحافظ، وكثر منهم ينتمون الى قوات التعبئة "الباسيج"، هؤلاء فتحوا باب الانتقادات اللاذعة على الرئيس والحكومة التي لم يكن لديها أي مانع من محاورة "الشيطان الأكبر".
أطلق المنتقدون على أنفسهم اسم "لجنة صيانة المصالح الإيرانية"، وتطور عملهم مع الوقت ليشكلوا، مع المقربين منهم من المحافظين المتشددين، جبهة انتقاد السياسة الخارجية لحكومة روحاني، على الرغم من الإطراء الداخلي الذي ناله خطاب الرئيس العام الماضي، والذي تحدث عن رغبة إيران في إصلاح علاقاتها مع العالم ورفضها العنف والإرهاب، فمن الطبيعي أن يقف الداخل مع خطابه هذا بعد سنوات من التشدد والعزلة والمعاناة الناجمة عن عقوبات أرهقت الجميع.
ولكن أن يصل الأمر إلى إصلاح العلاقات مع عدو إيران التاريخي، فهذا أمر يحتاج الى التمهل والمراجعة. علاوة عن أنه فتح الباب على مصراعيه أمام الانتقادات، على الرغم من أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، أعطى فرصة لفريق روحاني المفاوض، وأعطى روحاني نفسه الضوء الأخضر بالاتجاه، ولو نسبياً، نحو واشنطن.
ووفق مراقبين، كانت طهران تحاول جس النبض، وتحاول العودة إلى موقعها المؤثر في المنطقة، وهو ما خسرته بعد سنوات العزلة، وهذا لن يحدث إلا برضا نسبي من القوى الكبرى.
لكن الرحلة هذه المرة إلى نيويورك تحمل ضغوطاً جديدة، أولها تأتي بعد ارتفاع صوت المنتقدين من المحافظين في الداخل، ولاسيما بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، على الرغم من تعليق الحظر بموجب اتفاق جنيف الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وثانيها رفض الولايات المتحدة أية مشاركة إيرانية في التحالف الدولي الذي يتشكل لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو الأمر الذي حاول المسؤولون في إيران تحقيقه لكنهم لم يجدوا مكاناً رسميّاً لهم بين المتحالفين.
الولايات المتحدة التي ستستقبل الرؤساء من كل أنحاء العالم خلال أيام معدودة، وسيكون لخطاب روحاني وقع خاص فيها خلال اجتماع الجمعية العمومية، ستستقبل أيضا محادثات طهران والسداسية الدولية، وقد يبدو أن لهذه المعادلة، بالنسبة لإيران، طرفين: الأول أن الرئيس لا يستطيع أن يتخلى عن شعاره الأساسي، وهو شعار حكومة الاعتدال، التي ترغب في الانفتاح نحو الآخرين، وهو سبب توجهه الأول الى هناك، وثانيها أن الرئيس محكوم بسياسات الداخل أيضاً، ولاسيما أن واشنطن لم تبد حسن نية تجاه طهران حتى في ما يتعلق بالملف النووي، ولكن حتى وإن دار الحديث عن أن إيران ما زالت تبحث عن مكان مؤثر لها في ملفات المنطقة، فهذا أمر لا يخفى على أحد، وخصوصاً أنها تستطيع التأثير في العراق وسورية، ولكن هل يستحق مد اليد علناً خلال هذه المرحلة نحو واشنطن؟
المراقبون والسياسيون الإيرانيون يتحدثون عن أنه بين إيران والولايات المتحدة تقاطع في المصالح للقضاء على "داعش"، ولكن من الممكن فعلاً القيام بهذا الأمر من دون أن يمنح الطرفان بعضهما بعضاً فرصة، ستبدو خلال هذا الوقت أنها تنازل.
فواشنطن بدأت في تحقيق هدفها، وإيران، حتى وإن حاولت البحث عن مكان في التحالف، إلا أن القضاء على التنظيم بأية وسيلة يعني تخلصها من قلق يقض مضجعها بالفعل، على الرغم من التصريحات الإيرانية الأخيرة التي تشكك في النوايا الأميركية، ما يعني أن العلاقات بين البلدين ستبقى رهينة الأخذ والرد في الأمد القريب.