رهان المستقبل

03 يناير 2020
(مقطع من عمل لـ ريم يسوف/ سورية)
+ الخط -

باتت السينما والتلفزيون، أي الفيلم والمسلسل، حقولاً للصراع الأيديولوجي، كما كان يحدث بالفعل، إذ يتبارى المخرجون وكتّاب السيناريو في إعلان مواقفهم السياسية والفكرية من الأحداث التي مضت، خاصة خلال السنوات العشر الماضية من حياة بلادنا، في أعمالهم.

ويبدو حتى الآن أن بوسع من يملك التمويل، والأرض للتمثيل، أو يكون قد استحوذ على "العدد" الأكبر من الممثّلين، وعلى عدد آخر من المخرجين، وهؤلاء جميعاً متوفّرون هذه الأيام في جانب الأنظمة الحاكمة، أن يُنتج أعمالاً ما، تتفوّق كمّياً، على ما لدى الجانب الآخر، وهم أنصار الثورات العربية.

وبوسع المنتجين الذين يموّلون مثل هذه الأعمال توزيعها أيضاً، وعرضها أحياناً على شاشات التلفزيون، بينما لم يظهر بعد في السينما، أو في المسلسلات، أي عمل يدافع عن الثورة، أو يعرض أي جانب من جوانب المأساة الإنسانية الكبرى التي أحاقت بالناس جرّاء سلوك الأنظمة، أو الحروب والمعارك.

ويبدو أن الحرب نفسها قد كانت، حتى اليوم، إلى جانب الغالبين من الناحية الأيديولوجية. ففضلاً عن امتلاك وسائل العنف ذات الطابع الرسمي، أي الشرطة والجيش وأجهزة الأمن، التي يُقرّ العالم، أساساً، بشرعيتها لدى الحاكم، مستمدّاً من علم الاجتماع مادته العلمية، فإن تلك الأنظمة هي المالكة "الشرعية" أيضاً، لوسائل الدعم الفكري والسياسي. فهي التي تملك الصحف والمجلّات، مثلما تملك شركات الإنتاج السينمائي، وإدارات التلفزيون في جميع البلدان العربية.

ولهذا، فإن كفّة الميزان تميل لصالح هذه الأنظمة في الصراع الأيديولوجي على صعيد فنَّي السينما والتلفزيون، على الأقل من الناحية الكمية. غير أن انتصار الكم في المجالَين الفنيين السابقين، أو في أي مجال فني، لا يعني أنّ بالوسع تحقيق التفوُّق على الصعيد النوعي، أي من حيث القيمة الفنية، أو على الصعيد الأخلاقي، أي من حيث الموقف الإنساني؛ فالمعيار الإنساني هو الحكم في نهاية الأمر، ومن الصعب تزوير الحقيقة في الصراع من أجل قيم الحق والعدالة والحرية الإنسانية، بل من الصعب أن نتخيّل أن بوسع الأتباع والمدافعين عن الظلم، حتى لو كانوا يخبّئون آراءهم وراء واجهات من السلوفان، كتابة نصوص صادقة من حيث علاقتها بأي قيمة إنسانية.

وهذه المراهنة قد تبدو أحياناً مؤجّلة للمستقبل، حيث يحكم التاريخ على ما يمكن أن يكون قد انحاز إلى جانب القوّة الغاشمة، أو ناصر الموقف الإنساني، ودافع عنه. كما يمكن أن تكون مكشوفة في الحاضر، فأنصار الشعوب والثورات والقيم الإنسانية لم يموتوا، ولم تسجل هزيمتهم النهائية، ومعركة البحث عن العدالة والكرامة والحرية لم تنته بعد، وهو ما تشير إليه التطورات المتلاحقة التي تشهدها ساحات الكفاح العربي، وهو ما يضع حركة الفن الموالي التي تعتقد أنها حسمت الأمر في حرج تاريخي.

وإذا كانت السينما أو الإنتاج التلفزيوني قد قدّما، حتى اليوم، محاولات في ادعاء قول الحقيقة عن الحاضر، إذ تبدو بعض الأعمال التي أُنتجت للسينما وكأنها تقرّر ما يشبه نهاية التاريخ المحلّي، فإن الفن لم يكن في أي يوم حقلاً لليقين.

المساهمون