رهاب اليوم الأوّل

09 سبتمبر 2015
بين جولة قصف وأخرى... (فرانس برس)
+ الخط -

في قاعة اللقاءات العامة، تعقد إدارة هذه المدرسة الرسميّة اجتماعاً موسّعاً لأولياء أمور تلاميذ المرحلة الابتدائيّة، تحاول خلاله متخصّصة في علم النفس التربويّ الإحاطة بموضوع العودة إلى الدراسة وكيفيّة تحضير صغارنا لها وجعلها سلسة.

تتناول الاختصاصيّة بالتفصيل الضغوط التي قد يشعر بها التلميذ، خصوصاً بعد العطلة الصيفيّة التي امتدّت نحو ثلاثة أشهر. وتتحدّث بإسهاب عن القلق والتردّد المحتملَين اللذَين قد يصيبانه. هو سوف يُضطرّ إلى تغيير نمط حياته من جديد، وإلى التعرّف كذلك إلى وجوه جديدة من مدّرسات ومدرّسين وزملاء صفّ. وتقدّم لأولياء الأمور نصائح عمليّة لمرافقة أولادهم في هذه المرحلة التي تُعَدّ حرجة وأساسيّة لعام دراسيّ كامل، قبل أن تضع نفسها في تصرّف أيّ عائلة تحتاج إلى دعم إضافيّ أو استشارة خاصة.

لمن يراوده الشكّ للحظة، هذا الاجتماع الموسّع لم يُعقد في أيّ مدرسة رسميّة عربيّة. في بلداننا العربيّة، ثمّة أمور أكثر أهميّة. كذلك، أولادنا أصلاب يتأقلمون مع أيّ ظرف. هم ليسوا كهؤلاء الأوروبيّين الذين يلجأون إلى متخصصين في علم النفس، كلما عوّقت هشاشتهم تأقلمهم مع الواقع أو مواجهتهم لاستحقاق ما.

في عددها الذي سبق العام الدراسي الجديد الذي انطلق قبل نحو عشرة أيام في أوروبا، حاولت مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة - كما في كلّ عام - معالجة بعض المواضيع التي قد تؤرّق أولياء أمور التلاميذ، أو تلك التي قد لا يتنبّه لها هؤلاء وتهدّد توازن أولادهم ونموّهم الفكري وإنتاجهم المدرسيّ. ولعلّ أبرز ما طرحته هو رهاب العودة إلى المدرسة الذي يعانيه عدد لا بأس به من الصغار.

رهاب العودة إلى المدرسة. غريب هذا المصطلح بالنسبة إلينا. في بلداننا العربيّة، لا يُصاب الأطفال به. لا يملكون ترف ذلك. هم محصّنون إزاءه وإزاء أيّ نوع من أنواع الرهاب. أطفال العرب متخصّصون في الصدمات واضطرابات ما بعد الصدمة. من ثمّ، المدارس أمكنة مألوفة بالنسبة إليهم. هم يلجأون إليها كلّما احتاجوا سقفاً يأويهم من تهجير أو قصف مركّز. كذلك، هم اعتادوا التعرّف إلى وجوه جديدة مع كلّ نزوح خبروه.

رهاب العودة إلى المدرسة، وبعد التفكير ملياً، قد يصيب أولياء الأمور. هؤلاء الذين لا يعرفون كيف يتدبّرون أمورهم وسط الأزمات المعيشيّة والأمنيّة، لتأمين أقساط تعليم أولادهم أو حتى رسوم التسجيل، وكذلك ثمن الكتب واللباس وما إليها. هو استحقاق جلل يؤرقهم.

اليوم، ينطلق عام دراسيّ جديد في بعض البلدان العربيّة، لتتبعها أخرى في الأيام المقبلة. بعيداً عن الرهاب والتأقلم والأعباء التي تختلف طبيعتها، عام دراسيّ موفّق لمن يملك ترف العودة إلى المدرسة، ولو بين جولة قصف وأخرى.

اقرأ أيضاً: كان إسحاق سرّها
المساهمون