رماد الجهل في لبنان

هو أمر بات واقعاً نعيشه كل يوم، وفي كل جزئية من حياتنا اليومية في لبنان. ليست القضية وليدة اللحظة، أو نتيجة للأزمة السياسية الحالية، داخلياً كانت أو إقليمياً. إنما هي محصلة طبيعية لسلسلة تراكمات، منذ فتور الحرب الأهلية اللبنانية.

الانقسام الطائفي والسياسي الذي يحيط بنا من كل جانب ضرب منظومة القيم والأخلاق في المجتمع، حتى باتت المصلحة الوطنية آخر الحسابات.

قضايا عديدة ساهمت في تأجيج الصراع الطائفي، وخصوصاً الصراع السني - الشيعي، والذي تنامى بشكل مضطرد في السنوات القليلة الماضية، ليبلغ أوجه مع اشتعال الثورة السورية، وما أنتجته من اصطفاف.

لبنان لم يكن مستبعداً أن يكون على تماس عن هذه الصراعات، فالواقع السياسي الذي نعيشه وضعنا في صميم "الصراع السوري"، وفي قلب معادلة "حرق المنطقة" التي أعلنها رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

الحريق لم يقتصر على إشعال الوضع الأمني في دول الجوار، وتحديداً لبنان. إنما سبقه حريقٌ للفكر والأدمغة، جعلتها جاهزة لاستلام أية شرارة تشعل الصراع في وطنٍ يخطو على حبل فوق هشيم من نار. تلك الأدمغة والأفكار كانت وقوداً لهذا الحريق، تغذيها أحزابٌ تارةً بزيت السطوة العسكرية، وتارة بحطب الصراعات السياسية، وكل ذلك ببعد طائفي بغيض.
الكلام الفلسفي والنظري لم يعد مجدياً بعد اليوم، فنحن أمام مجتمع مدمر!
كل ما سبق لا يتعدى كونه توصيف للواقع الذي نعيشه اليوم، ويفتك في حياتنا ومستقبلنا وكياننا. ويجعلنا ندخل في صراع ذاتي مع أنفسنا، ومع من هم أقرب الناس إلينا، لسبب بديهي وهو أنهم مختلفون عنا في الفكر والرأي.
لكن الأخطر من ذلك أن تشعر بأن ذلك الشخص (الذي ربما تربيت معه)، بات نتاجاً لهذا الحريق الناشب في المجتمع. لا بل أصبح متلقفاً لتلك الشرارة الفكرية، فأحرقت العقل وتركت خلفها نار الجهل.
هنا، أختم لأقول، أن حادثة مقتل العسكري الشهيد علي البزال، جعلتنا ندرك كم أن عقولنا لم تعد سوى رماد جهلٍ يقتلنا ويقتل مجتمعنا، ولن نسلم منه بهذه السهولة.