نفتقد في المنطقة العربية الإحصاءات والدراسات المسحية أو عمليات التعداد العلمي والتدقيق العام والقطاعي على حد سواء. ينطبق ذلك على السكان ككل، كما على صعيد الفئات الاجتماعية عموماً، والمهمشة منها على وجه الخصوص. وبالطبع يأتي الأشخاص المعوقون على رأس قائمة هذه الفئة، التي تشمل ذوي المهن الضعيفة من الرعاة والفلاحين والصيادين والعمال المياومين والباعة المتجولين ومن هم دون خط الفقر من الجماعات. لم يصدر عن وزراء الصحة العرب بعد دراسات ومسوحات قامت بها دوائر جامعة الدول العربية، وامتدت لسنوات إحصاء يمكن اعتباره الإحصاء المطلوب الذي يحدد حجم المعضلة التي تعاني منها مجتمعاتنا.
لا يعني الافتقاد إلى الإحصاء المرجعي الموثوق حول أعداد الأشخاص المعوقين أن الرقم مفقود على نحو مطلق. إذ الفعلي أن هناك العديد من الأرقام التي يتم تداولها في أوساط المنظمات غير الحكومية العربية والعالمية العاملة في هذا المجال. الرقم الأعلى الذي يتحدث عن هذه الفئة في المنطقة العربية يصل إلى حدود الـ45 مليون نسمة.
قد يبدو مثل هذا الرقم مفاجئا، وهو فعلا مفاجئ، لكن لا أحد كان يخطر بباله أن ترتفع جموع هذه الفئة إلى مثل هذا الرقم المرعب. بالطبع هناك أرقام أقل وتتراوح بين 30 و35 و40 مليون شخص معوق. أيا يكن الرقم الدقيق، فالمعروف أن الدول العربية تتحدث عن نسب سكانية من الأشخاص المعوقين تتراوح بين 4 % في أحسن الأحوال و12% في الغالبية، علماً أن الرقم الوسطي العالمي هو في حدود الـ10 %. هذا في الدول التي لا تعيش أعمال عنف وحروب، لكن تصنيفاتها للإعاقة يشمل مروحة واسعة من الحالات، نتعمد نحن أن نخرجها من حساباتنا.
لكن الخطورة لا تكمن فقط في وجود هذه النسبة من السكان تعاني الإعاقة بتنوعها، بل لأن نزيف الإعاقة مستمر ومتصاعد في معظم الدول العربية التي تعاني من الفوضى الأمنية المنفلتة. ثم إن المشكلة تتمظهر على نحو أفدح متى تذكرنا أن العديد من الدول الباقية مهددة بالانجراف إلى قائمة الدول الغارقة في آتون لهيب الحروب الأهلية بتنوعاتها.
لا نستطيع في مثل هذا الوضع أن نطالب بإزالة التمييز الذي يعانيه الأشخاص المعوقون وإدماجهم في الحياة المجتمعية العربية بعموم فضاءاتها وتأمين العمل للعاطلين منهم عن العمل، والمدرسة لمن يتعذر عليهم ارتيادها... الآن يجب أن نشدد على وقف هذا السيل الإضافي من الأشخاص المعوقين الذين تمتلئ بهم ساحات المدن وتقاطعات الطرق بعد أن عبرت الحروب وأعمال العنف على أحيائهم، فأحالتهم هياكل بشرية تعاني حياة أقرب ما تكون إلى الاحتضار اليومي.
*أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية
اقرأ أيضاً: أحياء في قوائم الموتى